السؤال
قد يكون الإنسان بارعا في علم، ضعيفا في آخر، ولا إشكال في هذا، لكن الإشكال أن يوصف إنسان بالكذب في علم، ويصدق في علم آخر، وكلامي على الواقدي، فقد كذبه علماء الحديث، أما في المغازي، والسير فهو الإمام العلامة، فكيف يكون كلامه مضمونا في علم المغازي، والسير، وهو كذاب؟ إن قلتم: إنه كذلك في الحديث فقط، فما الذي يضمن أنه لم يكذب في المغازي، والسير؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم من سعة علم الإنسان واطلاعه، أن يكون ثقة في نقل الأخبار والعلوم؛ ولذلك انتقد العلماء الواقدي مع تصريحهم بسعة علمه.
قال عنه الحافظ ابن حجر: متروك، مع سعة علمه. اهـ.
وفي ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض: قال القاضي وكيع: كان الواقدي من المتسعين في العلم.
وسئل عنه أحمد، فقال: دعونا من بحار الواقدي، زعم أن عنده عشرة آلاف حديث عن معمر ليست لغيره، فنظرنا إلى من هو أقدم منه مجالسة منه لمعمر، فلم نجد هذا عنده. اهـ.
وقال ابن حبان: كان ممن يحفظ أيام الناس وسيرهم، وكان يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الأثبات المعضلات، حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد؛ لذلك كان أحمد بن حنبل يكذبه.
وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: الحافظ البحر: لم أسق ترجمته هنا لاتفاقهم على ترك حديثه، وهو من أوعية العلم، لكنه لا يتقن الحديث، وهو رأس في المغازي والسير، ويروي عن كل ضرب. اهـ.
وقال الجرجاني: ومتون أخبار الواقدي غير محفوظة، وهو بين الضعف.
ولذلك فأخبار الواقدي لا تقبل إلا بعد التثبت منها، سواء في علم الحديث أم في التاريخ.
وعلى أي حال، فكتب السير والمغازي لا تخلو من ضعف في كثير من مروياتها، ومنها كتاب الواقدي.
قال عبد الله الجديع في تحرير علوم الحديث: ومن تأمل الكتب العتيقة المدونة في هذه الأبواب، وجد الوهاء سمة مؤلفيها، ككتب محمد بن عمر الواقدي، وسيف بن عمر الضبي في السير والمغازي، وتفسير الكلبي، ومقاتل بن سليمان.
وقال الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: وأما المغازي، فمن المشتهرين بتصنيفها، وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي، ومحمد بن عمر الواقدي.
فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم، ويضمنها كتبه؛ وروي عنه أيضا أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي، ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها.
وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل، عريض. انتهى.
ولعل سمة الضعف الغالب على كتب السير والمغازي عموما هو السبب في عدم بروز النقد للواقدي فيها، بخلاف علم الحديث، حيث ذاع وشاع انتقاده فيه، وإن كان التثبت من الأخبار مطلوبا في كلا المجالين، ولا ضمان للصحة في أيهما إلا بعد البحث والتثبت.
والله أعلم.