الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما العبارة الأولى فتقال حثا على الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن وصفه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك يحتاج إلى دليل، ولم نجد شيئا يمكن الاعتماد عليه في ذلك، فما اطلعنا عليه في ذلك ضعيف لا تقوم به حجة، ومن ذلك ما رواه ابن عساكر في تاريخه من طرق عن: فائد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لمشتاق إلى إخواني، فقلنا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "كلا، أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني. وإسناده واه؛ فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء: متروك اتهموه. كما في التقريب. وهذا الحديث ذكره ابن عبد البر في التمهيد، والاستذكار دون إسناد، وكذا المحب الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، والعصامي في سمط النجوم العوالي، وعزياه إلى ابن فيروز، وذكره السيوطي في جمع الجوامع، وقال: قال ابن كثير: غريب ضعيف الإسناد. اهـ.
ومن ذلك أيضا ما رواه القشيري في رسالته، من طريق عثمان بن عبد الله القرشي، عن يغنم بن سالم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى ألقى أحبابي؟ فقال أصحابه: بأبينا أنت وأمنا، أو لسنا أحبابك؟ فقال: "أنتم أصحابي، أحبابي: قوم لم يروني، وآمنوا بي، وأنا إليهم بالأشواق أكثر". وعزاه السيوطي لأبي الشيخ في الثواب. وإسناده تالف؛ يغنم بن سالم؛ قال ابن حبان: شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك، روى عنه بنسخة موضوعة، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب. وقال العقيلي: منكر الحديث.
وعثمان بن عبد الله القرشي، قال ابن عدي: يروي الموضوعات عن الثقات.
وقال الدار قطني: متروك الحديث، يضع الأباطيل على الشيوخ الثقات.
والثابت في هذا المعنى ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا إخوانك -يا رسول الله-؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد.
ولكن ليس فيه ذكر البكاء، ولا الاشتياق! ولا يصح وصف النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يثبت عنه.
وكذلك لا يصح إثبات فضيلة لذكر معين إلا بتوقيف، ومن ذلك المقولة الثانية، فإنا لم نجدها إلا عند الصفوري في كتاب (نزهة المجالس ومنتخب النفائس) حيث قال: وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح ثلاثا: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا، فيه صرف الله عنه سبعين نوعا من البلاء أدناه الهم.
وليس هذا الكتاب مما يعتمد عليه، ولم يذكر للحديث سندا ولم يعزه لأحد.
وأبعد من هذا وصف عبارة: حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون {التوبة:59}، بأنها دعاء المعجزات! فهذا أيضا يحتاج إلى توقيف، شأنه كشأن كل الفضائل، لا تثبت إلا بدليل، ولم نجد لذلك ذكرا فيما اطلعنا عليه، أو بحثنا فيه من مراجع! وللشيخ عبد المحسن العباد مقال بعنوان: (ليس من الدعاء: سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) قال فيه: ليس فيها دعاء، وإنما فيها الإخبار عن بعض المنافقين الذين همهم الدنيا، فيرضون إذا أعطوا شيئا منها، ويسخطون إذا لم يعطوا، فأرشدوا إلى الرضا بما آتاهم الله، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم سببا في ذلك، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم، والله يعطي رواه البخاري ومسلم. والتوكل على الله بأن يقولوا: حسبنا الله. وأما قولهم: سيؤتينا الله من فضله ورسوله، فليس بدعاء، وإنما فيه إخبار عما يؤملونه، ويحصل لهم من الله ورسوله من الإيتاء في المستقبل، كما حصل في الماضي، في قوله: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله} [التوبة:59]، وجواب لو محذوف تقديره: لكان خيرا لهم، كما قال الشوكاني في تفسيره. اهـ.
ولا ريب في أن الأفضل للمرء حين يدعو أن يلتمس أدعية القرآن والسنة، ويكتفي بهما، ففيها الخير والبركة والكفاية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما تقول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ: يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد، وأبو داود. وصححه الألباني، قال العظيم آبادي: أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي ما كان لفظه قليلا، ومعناه كثيرا، كما في قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة، وقال علي القاري: وهي التي تجمع الأغراض الصالحة، أو تجمع الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة ... اهـ.
وأما ما يمكن فعله حيال هذه الأجهزة، والوسائل الحديثة للتواصل، فهو الأخذ بزمام المبادرة، واستعمالها في نشر الخير والدعوة إلى الله، بقدر الطاقة، وراجعي الفتوى رقم: 223138.
وإذا وصل الإنسان من خلالها ما لا يصح، فعليه أن ينصح لصاحبه؛ فإن الدين النصيحة، وهي متعينة إذا لم يقم بها أحد غيرك، وراجعي الفتويين: 180067، 52574
ومن جملة المنكرات التي يجب التحذير منها: نشر الأحاديث المكذوبة والواهية، وراجعي الفتوى رقم: 131198.
والله أعلم.