حكم من أحرم ولم يأت بالتلبية في مذهب الأحناف

0 233

السؤال

‏ كما ورد في أسئلة سابقة: قمت ‏بعمرة صحيحة عند الحنفية، لكنهم ‏اشترطوا الجمع بين التلبية، ونية ‏الطواف. وأنا لم أكن أعلم بذلك. وما ‏حدث أني أحرمت من الفندق، ولا ‏أتذكر إذا كنت قد لبيت أو لا قبل أن ‏أغادر الميقات، ولكني بالتأكيد لبيت ‏قبل أن أصل إلى مكة، وكانت نيتي ‏الدخول في أعمال العمرة، وعلى ‏مذهبهم أكون أحرمت قبل الميقات.
‏فهل علي دم وفق هذا المذهب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:          

‏ فالظاهر من مذهب الحنفية أن ‏الإحرام بالحج، أو العمرة لا ينعقد إلا ‏بالنية مع التلبية، أو ذكر لله تعالى ‏يقوم مقامها، خلافا لأبي يوسف ‏القائل بانعقاد الإحرام بمجرد النية ‏فقط، وفاقا للجمهور.

  جاء في بدائع ‏الصنائع للكاساني:‏ لا خلاف في أنه إذا نوى، وقرن ‏النية بقول، وفعل هو من خصائص ‏الإحرام، أو دلائله، أنه يصير محرما ‏بأن لبى ناويا به الحج، إن أراد به ‏الإفراد بالحج. أو العمرة، إن أراد ‏الإفراد بالعمرة، أو العمرة والحج، ‏إن أراد القران؛ لأن التلبية من ‏خصائص الإحرام، وسواء تكلم ‏بلسانه ما نوى بقلبه أو لا؛ لأن النية ‏عمل القلب لا عمل اللسان، لكن ‏يستحب أن يقول بلسانه ما نوى ‏بقلبه. فيقول: اللهم إني أريد كذا ‏فيسره لي، وتقبله مني؛ لما ذكرنا في ‏بيان سنن الحج، وذكرنا التلبية ‏المسنونة، ولو ذكر مكان التلبية ‏التهليل، أو التسبيح، أو التحميد أو ‏غير ذلك مما يقصد به تعظيم الله ‏تعالى مقرونا بالنية يصير محرما. وهذا على أصل أبي حنيفة، ومحمد ‏في باب الصلاة أنه يصير شارعا في ‏الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله ‏تعالى يراد به تعظيمه لا غير، وهو ‏ظاهر الرواية عن أبي يوسف ههنا، ‏وفرق بين الحج، والصلاة.... ‏إلى أن قال: هذا الذي ذكرنا في أن الإحرام لا ‏يثبت بمجرد النية ما لم يقترن بها ‏قول، وفعل هو من خصائص الإحرام، ‏أو دلائله، ظاهر مذهب أصحابنا. وروي عن أبي يوسف أنه يصير ‏محرما بمجرد النية، وبه أخذ ‏الشافعي. انتهى.
‏ وفي العناية على شرح الهداية ‏للبابرتي:‏ قال: (وإذا لبى فقد أحرم) من أراد ‏الإحرام إذا نوى، ولبى، فقد أحرم، ولا ‏يصير شارعا لا بمجرد التلبية، ولا ‏بمجرد النية. أما الأول؛ فلأن العبادة ‏لا تتأدى إلا بالنية. إلا أن القدوري لم ‏يذكرها لتقدم الإشارة إليها في قوله: ‏اللهم إني أريد الحج. وأما الثاني ‏فلأنه عقد على الأداء، أي على أداء ‏عبادة تشتمل على أركان مختلفة، ‏وكل ما كان كذلك، فلا بد للشروع فيه ‏من ذكر يقصد به التعظيم سواء كان ‏تلبية أو غيرها، عربيا أو غيره في ‏المشهور كما ذكرنا، أو ما يقوم مقام ‏الذكر كتقليد الهدي، فإنه يقوم مقامه ‏في حصول المقصود، وهو إظهار ‏الإجابة للدعوة. انتهى.
‏ وفي رد المحتار لابن عابدين:‏ والحاصل أن اقتران النية بخصوص ‏التلبية ليس بشرط، بل هو السنة، ‏وإنما الشرط اقترانها بأي ذكر كان، ‏وإذا لبى فلا بد أن تكون باللسان. ‏قال في اللباب: فلو ذكرها بقلبه لم ‏يعتد بها. انتهى.
وبناء على ما سبق، فإذا كنت لم ‏تتحقق من الإتيان بالتلبية، أو ما يقوم ‏مقامها ـ من ذكر لله تعالى ـ وقت ‏الإحرام بالعمرة، فإنك لم تدخل في ‏العمرة أصلا على القول المشهور ‏عند الحنفية.
لكن إذا كنت قد أحرمت بالنية قبل ‏دخول مكة، وقرنتها بالتلبية، فقد انعقد ‏إحرامك عند الحنفية، ويلزمك عندهم ‏دم لمجاوزة الميقات من غير إحرام. ‏جاء في كتاب الاختيار لتعليل المختار ‏لعبد الله بن محمود الموصلي الحنفي ‏‏(المتوفى: 683هـ) : والمواقيت: للعراقيين: ذات عرق، ‏وللشاميين الجحفة، وللمدنيين ذو ‏الحليفة، وللنجديين قرن، ولليمنيين ‏يلملم، وإن قدم الإحرام عليها فهو ‏أفضل، ولا يجوز للآفاقي أن ‏يتجاوزها إلا محرما إذا أراد دخول ‏مكة، فإن جاوزها الآفاقي بغير إحرام ‏فعليه شاة، فإن عاد فأحرم منه سقط ‏الدم، وإن أحرم بحجة أو عمرة ثم ‏عاد إليه ملبيا، سقط أيضا. انتهى.
 وفي بدائع الصنائع للكاساني ‏الحنفي:‏ ولو جاوز الميقات بغير إحرام، فأحرم ‏ولم يعد إلى الميقات حتى طاف ‏شوطا أو شوطين، أو وقف بعرفة، ‏أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى ‏الميقات: لا يسقط عنه الدم؛ لأنه لما ‏اتصل الإحرام بأفعال الحج، تأكد عليه ‏الدم، فلا يسقط بالعود. انتهى.
وما لزمك من دم يجزئ فيه ذبح شاة ‏بالحرم، وتوزع على الفقراء من ‏أهله، وبإمكانك توكيل من ينوب عنك ‏في ذلك.

ومذهب الجمهور أن الإحرام ينعقد ‏بمجرد النية، كما سبق في الفتوى ‏رقم: 207721
‏ ولا يلزمك تقليد مذهب الحنفية، ‏فالعامي لا يجب عليه تقليد مذهب ‏بعينه.

  جاء في تحفة المحتاج لابن ‏حجر الهيتمي الشافعي: وحاصل ‏المعتمد من ذلك أنه يجوز تقليد كل ‏من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ‏ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة، ‏ودون حتى عرفت شروطه، وسائر ‏معتبراته. انتهى.‏
وراجع المزيد من كلام أهل العلم في ‏هذه المسألة، وذلك في الفتوى رقم: ‏‏31408.‏
‏ والله أعلم.‏
 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة