هل يطالب المسلم بالاطلاع على عقائد اليهود والنصارى ليزداد تكذيبا لهم؟

0 8904

السؤال

أحتاج إلى فهم آيتين:
1- بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله.
2-حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون.
نحن المسلمين أحطنا علما بكفر اليهود والنصارى من خلال كتابنا العظيم، وليس عندي تصور عن عقيدة اليهود غير ما ذكر الله عز وجل، فهل في هاتين الآيتين مدح لمن عرف عقائد الكفار ليزداد تكذيبا لهم؛ لأن الله نعى على المشركين تكذيبهم للقرآن دون إحاطة بعلمه، أما نحن فقد أحطنا بما يجعلنا نكفر بهم، ولا يجعل لنا أدنى شبهة في كونهم على باطل، لكني أتحدث عن ازياد كفر، وما المنهجية المعتمدة في ذلك؟ فلو أن يهوديا نشأ وهو كذلك فلا بد أنه لا يشعر بما نشعر به في ديننا، قال تعالى: "أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم" فما الفرق بين منهجية المسلم في عدم دراسة أي مناهج أخرى وبين غيره؟ وهل من يرى النور، ويشعر بالسكينة، ويريه الله طريقه ودينه؛ عليه أن يعيش الظلمة، ويدخل غياهب الضلالات؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الآيتين تفيدان كفر المكذبين بالوحي بسبب الجهل، وليس فيهما مدح لمن عرف عقائد الكفار بالتفصيل، إلا أن إيماننا بالآيتين يقتضي منا الجزم بكفر هؤلاء؛ ولذلك نوقن بكفر اليهود والنصارى، ولا يطلب منا الاطلاع على عقائدهم الفاسدة، بل يكفينا ما ذكر في نصوص الوحي من ذلك، ففيه ما يكفي من بيان ضلالهم، وكونهم على باطل.

 ثم إنه لا حرج على المسلم الذي يريد التفقه في أموره الدينية أن يعرف حقيقة الشرك، وعقائد المشركين؛ إذ إن ‏من عرف الشرك ساعده ذلك في تحقيق التوحيد، والحذر من الوقوع في ضده من باب قول الشاعر:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه    * ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

وقبله قال الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني. رواه البخاري.

 وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: كان الصحابة أعرف الأمة بالإسلام وتفاصيله وأبوابه وطرقه، وأشد الناس رغبة فيه، ومحبة له وجهادا لأعدائه، وتكلما بأعلامه بالأمة، وتحذيرا من خلافه لكمال علمهم بضده، فجاءهم الإسلام وكل خصلة منه مضادة لكل خصلة مما كانوا عليه، فازدادوا له معرفة وحبا، وفيه جهادا بمعرفتهم بضده، وذلك بمنزلة من كان في حصر شديد، وضيق، ومرض، وفقر، وخوف، ووحشة، فقيض الله له من نقله منه إلى فضاء، وسعة، وأمن، وعافية، وغنى، وبهجة، وسرور، فإنه يزداد سروره، وغبطته، ومحبته بما نقل إليه بحسب معرفته بما كان فيه، وليس حال هذا كمن ولد في الأمن، والعافية، والغنى، والسرور، فإنه لم يشعر بغيره، وربما قيضت له أسباب تخرجه عن ذلك إلى ضده، وهو لا يشعر، وربما ظن أن كثيرا من أسباب الهلاك، والعطب تفضي به إلى السلامة، والأمن، والعافية، فيكون هلاكه على يدي نفسه، وهو لا يشعر، وما أكثر هذا الضرب من الناس، فإذا عرف الضدين، وعلم مباينة الطرفين، وعرف أسباب الهلاك على التفصيل كان أحرى أن تدوم له النعمة ما لم يؤثر أسباب زوالها على علم، وفي مثل هذا قال القائل:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه

وهذه حال المؤمن يكون فطنا حاذقا أعرف الناس بالشر، وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته وعرفت طويته رأيته من أبر الناس، والمقصود أن من بلي بالآفات صار من أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسدها على نفسه، وعلى من استنصحه من الناس ومن لم يستنصحه. اهـ

 وأما الفرق بين منهجية المسلم في عدم دراسة أي مناهج أخرى، وبين غيره، فإن المسلم العارف بمنهاج الاسلام واثق من صحة دينه، وهو يحكم نصوص الوحيين في المناهج الباطلة، فيتعرف إلى سبيل المجرمين، ولكنه يختلف حال المطلعين على المناهج الباطلة بحسب حال القارئ وما يقرأ، فمن كان قادرا على تمييز الغث من السمين، وفصل الصواب عن الخطأ، ومعرفة النافع من الضار، فلا بأس أن يقرأ أو يسمع لغير المسلمين، ولا سيما إن كان في ذلك غرض صحيح، ومراعاة لمصلحة شرعية، كالاستفادة منهم في ما برزوا فيه من علم نافع في أمور الحياة، وكمعرفة حال الأعداء لتوقي شرهم، ودعوتهم للحق، وبيان حالهم للناس، فقد قال تعالى: وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين {الأنعام : 55}

 وأما من يخاف عليه التأثر بالباطل، والانخداع بفكر ضال منحرف، فلا يجوز له أن يعرض نفسه للفتن، بل يلزمه عدم دراسة المناهج الأخرى، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 31515، 47986، 41538، 241441،  8036، 135962.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة