السؤال
أود أن أسأل عن أمر أرقني: خطيبي الذي أحبني وأحببته قد استشهد في سوريا في شهر إبريل الماضي، وقد فرحت له بالشهادة - أسأل الله أن يتقبله -، ولكني حزنت على فراقه، وغيابه عني صعب جدا، وهذا قضاء الله وقدره، وأنا - والفضل لله سبحانه - مع ألمى راضية بما كتب الله لي وأحمده وأشكره، والزواج من غيره صعب علي، من ناحية أني أحبه، ومن ناحية أخرى هي الأصعب أني لن أكون زوجته في الجنة، والحمد لله على كل حال، فهل لي أن أدعو - حتى لو تزوجت - أن ألتقي به في الجنة؟ هل هذا من الاعتداء في الدعاء؟ أنا لا أريد أن أدعو بأن أكون زوجته في الجنة، فأنا أعرف أن المرأة لآخر أزواجها، ولكن لقاء فقط، فأنا أشتاق إليه كثيرا، وهو أيضا أخبر في المدة الأخيرة قبل استشهاده أنه مشتاق لي، فالجنة ليست دار تكليف ولنا فيها ما نطلب، ونكون فيها إخوانا، وأعرف أن التركيز يجب أن يكون في أن أعمل لأدخلها، وأسأل الله أن يوفقني وإياكم، ولكن هذا الأمر (أن يكون هناك لقاء في الجنة) يعينني على الصبر ويخفف من حزني.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في دعاء المسألة الإباحة؛ فللعبد أن يسأل ربه ما يشاء من أمر الدنيا والآخرة، ما لم يتضمن دعاؤه اعتداء، ويدل لهذا الأصل إطلاق الأمر في قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين {الأعراف:55}، وعموم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه مسلم.
وقد بين العلامة ابن القيم حقيقة الاعتداء في الدعاء، وصوره بيانا شافيا، حيث قال: "الاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" انتهى من بدائع الفوائد، وللمزيد في ماهية الاعتداء في الدعاء تنظر الفتوى رقم: 23425 ، والفتوى رقم: 31019 .
فإذا تقرر ماسبق؛ فلا نرى حرجا في سؤال المرأة ربها بأن يجمعها بخطيبها في الجنة، إذ لا يلزم من مجرد رؤيتها له في الجنة شيء من المحاذير السابقة، ولو كانا متزوجين بآخرين، لكن لا يجوز للمرأة ترك النكاح لتعلقها بخطيبها المتوفى إذا وجب عليها، كما لو خشيت على نفسها الفتنة بترك الزواج، كما لا ينبغي لها رفض المتقدم لنكاحها إذا كان مرضيا في دينه وخلقه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في الإرواء.
وأخيرا نوصي السائلة الكريمة بالصبر الجميل، فإن ما عند الله خير وأبقى، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
والله أعلم.