حكم هجر الأخت المؤذية لإخوتها وأمها

0 222

السؤال

هجرت أختي بسبب عقوقها، فقامت بكسر يدي وضرب أمي، والكلام بيننا يزيد من مضرتنا، فهل يجوز هجري لها؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه أولا إلى أنه لابد من وضع حد لاعتداءات هذه الأخت على أمها وأخيها بغير حق، فعلى الأم تأديبها والأخذ ‏على يدها وزجرها، وعلى الأخ منعها من هذا العدوان، فإن ضرب المسلم بغير حق في حد ذاته من الظلم البين، وقد ‏عده طائفة من فقهاء الشافعية من الكبائر كاليماني في روض الطالب، والهيتمي في الزواجر، ويستدل لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا . رواه مسلم.

فكيف بضرب الأخ ‏الشقيق، بل كيف بضرب الأم وهي أحق الناس بحسن صحبة ابنتها، لا شك أن ذلك من أعظم الكبائر.‏

وأما هجرها: فالأصل حرمة هجر المسلم فوق ثلاث، لا سيما ذو الرحم المحرم كالأخت، لقول النبي صلى ‏الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.

وأدنى الصلة ترك الهجر، ولكن يستثنى من هذا الأصل حالتان يشرع فيهما الهجر:‏
الأولى: أن يؤدي هجرها إلى تراجعها عن عقوقها لأمها وظلمها لأخيها، لأن هجر الفاسق يدور مع المصلحة ‏الشرعية المترتبة على هجره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين. انتهى.  

فالهجر من وسائل إنكار المنكر فتجري عليه أحكام الحسبة الشرعية، وينظر في تقرير هذه الحالة الفتاوى التالية أرقامها: 30690، ‏‏140780، 119581.

ولا يعتبر الهجر عندئذ من قطيعة الرحم المحرمة، بل من الصلة والنصرة المطلوبة، لحديث أنس ـ رضي الله ‏عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره ‏مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه. رواه البخاري.‏

الثانية ـ أن يتعين هجرها لدفع أذاها، لأن أذى الرحم المحرم لا يسقط وجوب صلته من كل وجه، وإنما يرخص في ترك ‏وسائل الصلة التي تؤدي إلى حصول الأذى كالزيارة والكلام دون العيادة والسلام، جمعا بين أدلة وجوب الصلة وقاعدة لا ضرر، وتبقى العزيمة في ‏صلتها مع الصبر على أذاها، لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة ‏أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم ‏المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم.‏

والخلاصة أنه إذا أدى هجر الأخت إلى تراجعها عن العقوق والظلم كان من الهجر المشروع، وإن أدى إلى ‏تماديها في عدوانها وإصرارها على العقوق كان من الهجر الممنوع، ما لم يكن أذاها لا يندفع إلا بهجرها فيجوز الهجر بقدره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة