السؤال
منذ زمن بعيد وقع علي وعلى أمي ظلم شديد من عمتي وجيراني، وقدر الله أن أنتقم بسبب القهر والألم النفسي الذي كنت أعاني منه، فذات مرة افتروا علينا بالضرب، وتم جرح أمي، فادعيت كذبا عليهم أنهم جرحوني لأخذ حقي وحق أمي، كما اضطررت لليمين الغموس حتى لا أقع في الحرج ويصدقني الناس، مع العلم أن الأذى سابق منهم، فهل أعتبر ظالمة؟ وما كفارة ذلك؟ وما كفارة اليمين الغموس؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب من كبائر الذنوب، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه أبو داود وصححه الألباني.
والظلم لا يبيح الكذب على الظالم، ولا أذيته بأكثر مما آذى المظلوم، قال تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126}، وقال عز وجل: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {البقرة:194}، ولكنك إن كنت إنما كذبت من أجل الحصول على حقك السابق الذي لم تستطيعي التوصل إليه إلا بذلك فلا بأس بالأمر ولست ظالمة، كما أن الحلف إن اضطررت إليه لتحصيل حقك يكون جائزا أيضا، مع أن الأولى في هذا الصدد العمل بالتورية واستخدام المعاريض تحاشيا للكذب إن أمكن ذلك، وراجعي في تفصيل هذا فتوانا رقم: 117049 .
وإن لم يكن لك حق أصلا عند من كذبت عليهم، أو كنت قد قد استوفيته من قبل، فليس لك أن تكذبي عليهم لأجل ظلمهم واعتدائهم على أمك، وإن فعلت ذلك فأنت آثمة وتجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وفق الشروط المبينة في الفتوى رقم: 78925 ، كما أن حلفك - والحال هذه - لتأكيد تلك الكذبة كبيرة أعظم، وهذه اليمين هي المسماة بيمين الغموس، لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم والعياذ بالله، وقد عدها النبي صلى الله عليه وسلم مع أعظم الكبائر، في دلالة واضحة على خطورتها وعظم إثمها، قال عليه الصلاة والسلام: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس. رواه البخاري.
وأما ما يلزم في مثل هذه اليمين؛ فإن الجمهور على أنها لا كفارة لها إلا التوبة، وقال الشافعي بوجوب الكفارة فيها مع التوبة إلى الله تعالى، وهو الأحوط، وانظري الفتوى رقم: 7228 ورقم: 29925 ، وبشأن كفارة اليمين راجعي فتوانا رقم: 2053 .
ثم إنه على فرض أنه لا حق لك عند من كذبت عليهم، فإن توبتك هنا لا تتم إلا بالتحلل مما ترتب على تلك اليمين الكاذبة، فإن كنت أخذت بها مالا فيجب عليك رده إلى أصحابه، وإن كان ترتب عليها ضرر لهم من أي نوع، فيجب طلب المسامحة منهم والسعي في إرضائهم حتى يعفوا ويصفحوا.
وختاما نذكرك بضرورة الصبر على أذى القريب وذي الرحم، ومقابلة إساءته بالإحسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم.
والله أعلم.