هل يحاسب الإنسان على حديث النفس إن كان بصوت مسموع

0 259

السؤال

أحيانا أحاسب نفسي على الأخطاء والمعاصي التي أكون قد ارتكبتها بكلام بيني وبين نفسي، كأنني أخاطب شخصا آخر بصوت مسموع لي فقط في المعاتبة، ولو بحثت عن حل لمشكلة أواجهها فإنني أفكر بصوت مسموع لي فقط، فهل كل ما أقوله يعرض على الخلق يوم القيامة، ويفضح كل ما كنت أتكلم به بصوت مسموع بيني وبين نفسي؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما تقوم به من محاسبة لنفسك على ما يكون منها من ذنوب وأخطاء أمر حسن ومندوب إليه، إذ ينبغي للمرء أن يحاسب نفسه من حين لآخر على ما يكون منها من عصيان، وأن يعاتبها على التقصير في جنب الله، فذلك مدعاة للتشمير والجد في العمل الصالح والكف عن سواه، كما أنه دأب الصالحين، وعادة المتقين، جاء في كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله: وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. اهـ

وذكر أيضا عن الحسن قال: لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، وماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدما قدما لا يحاسب نفسه ـ وقال قتادة في قوله تعالى: وكان أمره فرطا ـ أضاع نفسه وغبن مع ذلك، تراه حافظا لماله مضيعا لدينه، وقال الحسن: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته، وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك. اهـ.

أما بالنسبة لمحاسبة المرء على ما يقول بينه وبين نفسه: فلا يحاسب الإنسان على حديث النفس ما دام لم يتكلم به. وإن كان لا يحاسب عليه فمعناه أنه معفو عنه، ولن يفضح به بين الخلائق، أما ما سوى حديث النفس مما يتلفظ به الإنسان بلسانه أو يعمله بجوارحه عن قصد، وكذا أعمال القلوب، فإن ذلك يكتب في صحيفته، فإن تاب منه وأناب فإنه لا يفضح به أيضا على رؤوس الأشهاد، بل يغفر له ربه، ويتوب عليه، ويمحو سيئاته، ويبدلها حسنات، ويستره في الآخرة. وإن لم يتب منه فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، وقد دلت النصوص على أن المؤمن لا يفضحه الله بذنوبه، جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون، فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين {هود: 18}.

قال الغزالي رحمه الله تعالى:.. فهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم، واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يحرك لسانه بذكر مساويهم، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة. اهـ.

هذا، وننبه إلى أن ما يتحدث عنه السائل من محاسبته لنفسه ليس ذنبا حتى يفضح به بين الخلائق يوم القيامة، بل أمر أمر محمود يثاب عليه ـ إن شاء الله ـ وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 243019، ورقم: 67094.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة