السؤال
سؤالي-حفظكم الله-أني عفوت عن كل من ظلمني، وكل من سيظلمني، وأشهدت الله، وأشهدت حملة عرشه، وملائكته، وجميع خلقه على ذلك. هل إن أخذت حقي من ظالم أأثم على ذلك؟
وهل هناك حنث في ذلك؟ وهل تجب الكفارة؟
تعبت في ذلك.
أفيدوني حفظكم الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت عندما عفوت عن كل من ظلمك في الماضي، وأنت مأجور على ذلك إن شاء الله تعالى، فقد قال الله تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى:40}.
وإذا كنت تقصد بالعفو إسقاط ما لك من الحق على الناس، فإن تلك الحقوق تسقط إذا كانت تقبل السقوط، ولا يمكنك بعد ذلك أن تطالب بها.
جاء في درر الحكام، شرح مجلة الأحكام في الفقه الحنفي: (الساقط لا يعود) يعني إذا أسقط شخص حقا من الحقوق التي يجوز له إسقاطها، يسقط ذلك الحق، وبعد إسقاطه لا يعود. اهـ.
وجاء في المغني لابن قدامة: فصل: وإذا كان له في ذمة إنسان دين، فوهبه له، أو أبرأه منه، أو أحله منه، صح، وبرئت ذمة الغريم منه، وإن رد ذلك، ولم يقبله؛ لأنه إسقاط، فلم يفتقر إلى القبول، كإسقاط القصاص، والشفعة، وحد القذف، وكالعتق، والطلاق.
وإن قال: تصدقت به عليك، صح؛ فإن القرآن ورد في الإبراء بلفظ الصدقة، بقول الله تعالى: {ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا}. وإن قال: عفوت لك عنه، صح؛ لأن الله تعالى قال: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}. يعني به الإبراء من الصداق. وإن قال: أسقطته عنك. صح؛ لأنه أتى بحقيقة اللفظ الموضوع له. وإن قال: ملكتك إياه. صح؛ لأنه بمنزلة هبته إياه. اهـ.
وأما عفوك عمن سيظلمك، فإنه لا يصح، ولا يفيد من عفوت عنه إذا كان قبل وقوع الظلم؛ لأنه تنازل عن شيء لم يجب لك، وإسقاط لحق قبل استحقاقه، أو وجوبه؛ وانظر الفتوى رقم: 215356.
ولذلك، فإن أخذك لحقك من ظالم قد عفوت عنه من قبل، لا يجوز؛ لأن حقك سقط بالعفو عنه، وأما أخذك لحقك ممن سيظلمك بعد ذلك، فإنه لا حرج فيه؛ لأنه لم يتناوله العفو السابق عليه كما رأيت.
والله أعلم.