حكم صلاة الأقل حفظا إذا قدمه الناس على الأكثر حفظا

0 196

السؤال

قرأت لفضيلتكم أن الأحفظ للقرآن، ‏والأكثر إتقانا لأحكامه، هو الأولى ‏بالإمامة. وقرأت أيضا في الفتاوى ‏أن الأقل حفظا، صلاته مجزئة، ولكن ‏سؤالي: هل يحث الشرع على ‏التنازل عن الإمامة لمن هو أقل ‏حفظا، من باب عدم الحرص على ‏الإمامة.‏
‏ أسأل عن هذا؛ لأنني من حفظة ‏القرآن، وكثيرا ما يحدث أن يتقدم ‏علي من هو أقل مني حفظا بسبب ‏السن مثلا، ظنا منهم أن السن يقدم، ‏أو بسبب أنهم لا يعلمون أنني من ‏الحفظة.‏
‏ فهل يحثني الشرع على التنازل عن ‏الإمامة مادام أن قراءتهم مجزئة، أم ‏يحثني على التمسك بالعمل بالحديث:‏‏(يؤم القوم أقرؤهم) مع ملاحظة أنه ‏قد يوجد بعض الضيق في نفوسهم، ‏كما يحدث في كثير من المساجد.
‏فأود النصيحة من فضيلتكم.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على ‏رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما ‏بعد:‏ ‏

فالسنة أن يصلي بالناس أقرؤهم ‏للقرآن، كما في صحيح مسلم، من ‏حديث أبي مسعود-رضي الله عنه-أن ‏النبي صلوات الله عليه قال: يؤم ‏القوم أقرؤهم لكتاب الله.

 ‏ فإذا كنت تعلم من نفسك، ويعلم منك ‏إخوانك أنك أقرأ القوم، فينبغي ‏أن تقدم للإمامة؛ امتثالا لأمر النبي ‏صلى الله عليه وسلم، وإذا تقدم من هو دونك من غير إذنك، ‏وكان يأتي بالأركان سليمة، فالصلاة ‏حينئذ صحيحة، مع كراهة نص ‏عليها بعض أهل العلم.

  جاء في ‏الإنصاف: فإمامة المفضول بدون ‏إذن الفاضل، مكروهة على الصحيح ‏من المذهب، نص عليه. اهـ.

  ولا شك أن الشرع يحث على تقديم ‏الأفضل للإمامة، بنص الحديث ‏السابق، لكن إذا كانت جماعة ‏المسجد تتضايق من إمامته، ولا ‏تريده، فلا يتقدم؛ لورود الأحاديث في ‏النهي عن ذلك، منها ما روى عبد ‏الرزاق في مصنفه، أن النبي صلى ‏الله عليه وسلم قال: من أم قوما وهم ‏له كارهون، لم تجاوز صلاته ‏ترقوته. قال الشيخ الألباني: صحيح ‏بمجموع رواية جمع من الصحابة، ‏بألفاظ متقاربة.‏ اهـ

وجاء في الأم: قال الشافعي-رحمه الله تعالى-: يقال: لا تقبل صلاة ‏من أم قوما وهم له كارهون، ولا ‏صلاة امرأة وزوجها غائب عنها، ولا ‏عبد آبق حتى يرجع. ولم أحفظ من ‏وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله، ‏وإنما عنى به- والله تعالى أعلم- الرجل ‏غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه، ‏فأكره ذلك للإمام، ولا بأس به على ‏المأموم، يعنى في هذا الحال؛ لأن ‏المأموم لم يحدث شيئا كره له، وصلاة ‏المأموم في هذه الحال مجزئة، ولا ‏أعلم على الإمام إعادة؛ لأن إساءته ‏في التقدم لا تمنعه من أداء الصلاة ‏وإن خفت عليه في التقدم. اهـ.

 وذهب بعض أهل العلم إلى أن النهي ‏هنا مقيد بما إذا كانت كراهة القوم ‏لمن يؤمهم ناتجة عن غرض ‏صحيح، وإلا فلا عبرة بها.

  جاء في ‏منح الجليل: و كره إمامة من يكره، ‏بضم المثناة، وفتح الراء أي كرهه ‏أقل الجماعة غير ذي الفضل منهم، ‏فإن كرهه كلهم، أو جلهم، أو ذو ‏الفضل منهم وإن قل، فإمامته محرمة؛ ‏لقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله ‏من أم قوما وهم له كارهون. ولقول ‏عمر- رضي الله تعالى عنه-: لأن ‏تضرب عنقي، أحب إلي من ذلك. إذا ‏كانت كراهته لارتكابه أمورا مزرية ‏موجبة للزهد فيه، والكراهة له، ‏ولتساهله في السنن كالوتر، والعيد، ‏والنوافل كالرواتب، ولا عبرة بكراهته ‏لغرض فاسد. اهـ.

  إلا أن هذا يعارض ظاهر الأحاديث، ‏حيث أطلقت ولم تقيد.

  يقول الشيخ ‏العثيمين، في الشرح الممتع على زاد ‏المستقنع: وأفادنا قوله: بحق ‏أنهم لو كرهوه بغير حق، مثل: لو ‏كرهوه لأنه يحرص على اتباع السنة ‏في الصلاة فيقرأ بهم السور ‏المسنونة، ويصلي بهم صلاة متأنية، ‏فإن إمامته فيهم لا تكره؛ لأنهم ‏كرهوه بغير حق، فلا عبرة بكراهتهم. ‏لكن؛ ظاهر الحديث الكراهة مطلقا، ‏وهذا أصح؛ لأن الغرض من صلاة ‏الجماعة هو الائتلاف، والاجتماع. وإذا ‏كان هذا هو الغرض؛ فمن المعلوم ‏أنه لا ائتلاف، ولا اجتماع إلى شخص ‏مكروه عندهم، وينبغي له إذا كانوا ‏يكرهونه بغير حق أن يعظهم ‏ويذكرهم، ويتألفهم؛ ويصلي بهم ‏حسب ما جاء في السنة، وإذا علم ‏الله من نيته صدق نية التأليف بينهم ‏يسر الله له ذلك. اهـ.

وعلى كل، فترك بعض المستحبات ‏لتأليف القلوب مما يشرع كما بيناه ‏في الفتوى رقم: 134457، وعليه ‏فإن ترك الإمامة بمن يتضايقون من ‏إمامتك أولى، سواء كان تضايقهم له ‏ما يبرره أم لا.‏

والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة