السؤال
بارك الله فيكم، وفي جهدكم، ونفع بكم الإسلام وأهله، ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول، والعمل.
شيخي الفاضل: أشكو لكم بعد الله تعالى ما يؤذي نفسي، ويؤلم فؤادي من أمري.
ولكي أريكم من أمري ما يعينكم بإذن الله على الحكم فيه بما شرع.
أرجو أن تصبروا على طول مسألتي.
قصتي أني منذ كنت طفلا في المرحلة الابتدائية، وفي مادة الحديث، قرأت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) فلانت نفسي، واقشعر بدني، واستقر هذا الكلام من الذي لا ينطق عن الهوى، داخل قلبي، وسألت الباري عز وجل من حينها أن يفقهني في الدين، وما جعلني أدعو بذلك بعد فضل الله ورحمته، رغبتي في أن أشعر بأن الله راض عني، وأنا أسير على الأرض.
الحقيقة أني لم ألتحق بحلق علمية وما شابه، ولكن كان لي اطلاع- أقسم بالله أنه لا يكاد يذكر- صفحات معدودة في تفسير ابن كثير، وزاد المعاد، وبعض الكتب الأخرى في الفقه على المذاهب الأربعة، وبداية المجتهد لابن رشد، رغم يقيني بأني لست للاجتهاد كفؤا، ولكن من باب المطالعة، وأقسم بالله لا أقولها تواضعا، ولكنها كانت مجرد صفحات، واطلاع على بعض الفتاوى هنا وهناك في المواقع الموثوقة كموقعكم، وموقع ابن باز وغيرها، وأقارن أحيانا بين الآراء في المسألة، وأدرك أن من كان معلمه كتابه؛ غلب خطؤه صوابه. المهم أني شعرت بأن الله يفتح لي، وأرجو ألا يكون استدراجا، فحين أتفكر في الآية، أو الحديث، أو في مسألة فقهية، يتبين لي من ذلك ما يطابق آراء علمائنا السابقين، وكنت أسعد بذلك، إلا أني أصبحت أرى في نفسي العجب، وأخشى من الرياء رغم قلة ما عندي من المعلومات، وأعلم أن ذلك قد يكون من مداخل الشيطان ليصدني عن طلب العلم، إلا أني أصبحت أغتم لذلك غما شديدا، خاصة أني لست في منطقة فيها حلق علمية، فلم أختلط بطلاب علم لأقارن بين ما أجد، وما يجدون في أنفسهم.
من أصحابي من لمح قليلا معرفتي، فيستفتيني في أمور، وأنا طبعا لا أفتيهم برأيي دون معرفة قول عالم عدل ثقة، وإن كانت المسألة تتعلق بما يدور في أيامنا هذه، فإني أحرص على أن أعود لآراء علمائنا في نفس البلد لكيلا أسبب فتنة من حيث لا أشعر، إلا أني أرغب أحيانا في أن ألا أجيب على أسئلتهم؛ لأني لست والله من أهل العلم، فأتذكر لجام النار، وأخشى أحيانا إن أنا سكت من اجتهادات من لا ينبغي له الحديث، خصوصا في الأمور العقدية، والصلاة، وأركان الإسلام فأتدخل، وأشعر أحيانا بالعجب، وبأني مرائي.
أنا أعلم تماما الأفضل لي، ولو كنت بذلت جهدا، فكيف بي وأنا لم أبذله، فأنا متيقن أنه لم يبلغ أحد ما بلغ من العلم إلا بفضل الله، فيقرأ الإنسان في الشرع سطرين، فيفتح له الله بذلك فتحا من عنده، ومع ذلك أضجر مما أنا فيه، وينفطر قلبي عند سماع قول الله: ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) رغم علمي ببعض ما قيل في سبب نزولها، والأقوال التي قرأت في موقعكم المبارك، إلا أنها تهزني، وغيرها الكثير من الآيات، والأحاديث، فأنا لست ملتحيا، ولي من الذنوب ما يجعلني أشعر أحيانا أن علمي ببعض المسائل ما هو إلا فتنة لي، فلو كنت أريد بها وجه الله ما حلقت ذقني، وارتكبت ما أرتكب، أسأل الله الهداية والمغفرة.
فهل يحق لي أن أفتي من يسألني إذا كنت متيقنا من الحكم، أم يجوز لي السكوت بحجة أني لست أهلا للفتيا؟
وإذا جاز لي التحدث. فماذا أصنع بشعوري بمخالطة الرياء، والعجب قلبي؟