الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما قلت إنك علمته من أن عبد الله بن جعفر تزوج من أم كلثوم بعد ما توفيت زينب، فهذا لم نقف على ما يصدقه، والذي وقفنا عليه هو أنه تزوجها بعد تطليق زينب، وكذا القول بأن كلا من أم كلثوم وزينب قد حضرتا يوم كربلاء مع أخيهما الحسين بن علي ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ فهذا أيضا يتنافى مع ما استفاض في كتب السير والتاريخ، وعلى أية حال فتاريخ وفاة أم كلثوم ـ رضي الله عنها ـ مختلف فيه اختلافا طويلا بين المؤرخين، والذي تذكره أغلب كتبهم أن أم كلثوم رضي الله عنها توفيت قبل وقعة كربلاء، فلم تشهدها، فقد جاء في الوافي بالوفيات: وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد في حدود الخمسين للهجرة. اهـ.
أما أختها زينب: فشهدت تلك الوقعة وتوفيت بعد ذلك، جاء في أسد الغابة: زينب بنت علي بن أبي طالب، واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدركت النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت له في حياته، ولم تلد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته شيئا، وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة زوجها أبوها علي ـ رضي الله عنهما ـ من عبد الله بن أخيه جعفر، فولدت له عليا، وعونا الأكبر وعباسا، ومحمدا، وأم كلثوم، وكانت مع أخيها الحسين رضي الله عنه لما قتل، وحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد، مشهور مذكور في التواريخ. اهـ.
وقد تزوج عبد الله بن جعفر بكل من أم كلثوم وزينب ـ رضي الله عنهما ـ وماتت كل منهما عنده، وذكرت أغلب كتب التاريخ المعتمدة أن زواج عبد الله بن جعفر من زينب كان سابقا على زواجه من أختها أم كلثوم، فقد ورد في سيرة ابن كثير عند ذكر السيدة أم كلثوم رضي الله عنها: ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر، فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد، فمات عنها، فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده، وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي و ماتت عنده أيضا. اهـ.
وفي الطبقات الكبرى: ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، فتوفي عنها، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، فتوفي عنها، فخلف عليها أخوه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب. اهـ.
وهذا قد يثير إشكالا في هذه المسألة بالنظر لما تقدم، إذ كيف يكون عبد الله بن جعفر تزوج بزينب وماتت عنده ثم تزوج بأختها أم كلثوم وماتت عنده أيضا، وتكون زينب قد شهدت كربلاء مع أننا قدمنا أن أختها التي تزوجها بعدها عبد الله لم تشهد كربلاء، بل توفيت قبلها، والجواب عن هذا الإشكال أن عبد الله بن جعفر تزوج بزينب أولا ثم طلقها، وتزوج أختها أم كلثوم، ولما ماتت عنده عاد وتزوج زينب من جديد وظلت زوجة له حتى ماتت عنده، جاء في جمهرة أنساب العرب: وتزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، فولدت له زيدا لم يعقب، ورقية، ثم خلف عليها بعد عمر ـ رضي الله عنه ـ عون بن جعفر بن أبي طالب، ثم خلف عليها بعده محمد بن جعفر بن أبي طالب، ثم خلف عليها بعده عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، بعد طلاقه لأختها زينب. اهـ.
وجاء التصريح بتزوج عبد الله بن جعفر من زينب مرتين تخللهما تزوجه من أم كلثوم في التعليق الممجد على موطأ محمد: شرح لموطأ مالك برواية محمد بن الحسن، يقول: وزينب بنت فاطمة ولدت في حياة جدها، وكانت لبيبة عاقلة تزوجها عبد الله ابن عمها جعفر فولدت له عليا وأم كلثوم وعونا وعباسا ومحمدا، وأم كلثوم بنت فاطمة ولدت قبل وفاة جدها صلى الله عليه وسلم وتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له زيدا ورقية، ثم تزوجها بعد موته عون بن جعفر، ثم مات فتزوجها أخوه محمد، ثم مات فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده، فتزوج أختها زينب.
أما عن أبناء عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: فله عدد من الأبناء والبنات من زوجات متعددات، وله من زينب بنت علي ـ رضي الله عنها وعن أبيها ـ أربعة أولاد وبنت، تقدم ذكرهم قريبا في التعليق الممجد على موطأ محمد، وجاء في المعارف لابن قتيبة الدينوري: فولد عبد الله بن جعفر جعفرا الأكبر وعليا وعونا الأكبر وعباسا وأم كلثوم وأمهم زينب بنت علي وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمدا وعبيد الله وأبا بكر، أمهم الحوصاء بنت حفصة أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وصالحا وموسى وهارون ويحيى وأم أبيها أمهم ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي، خلف عليها بعد علي بن أبي طالب ومعاوية وإسحاق وإسماعيل والقاسم لأمهات أولاد شتى، والحسن وعونا الأصغر أمهما جمانة بنت المسيب الفزارية وجعفرا. اهـ.
فوقع بين الروايتين اختلاف في أبناء جعفر من زينب، حيث ذكرت الأولى: عليا وأم كلثوم وعونا وعباسا ومحمدا، بينما ذكرت الثانية: جعفرا الأكبر وعليا وعونا الأكبر وعباسا وأم كلثوم، فلم نجد لهذا من تعليل إلا أن يكون لبعض منهم اسمان، ذكر هناك بأحدهما وذكر هنا بالآخر...
وبالنسبة لسؤالك الأخير: فإنه من المعروف ـ كما أشرت أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان له من أم كلثوم بنت علي ـ رضي الله عنهما ـ ولد وبنت هما زيد ورقية، لكن زيدا توفي وهو مع أمه، ولم يذكر له عقب، وأما رقية: فتزوجت إبراهيم بن نعيم وماتت عنده، ولها منه جارية لم تعقب، جاء في الاستيعاب: قال أبو عمر: ولدت أم كلثوم بنت علي لعمر بن الخطاب زيد بن عمر الأكبر ورقية بنت عمر وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد، وقد كان زيد أصيب في حرب كانت بين بني عدي ليلا كان قد خرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياما ثم مات وهو وأمه في وقت واحد. اهـ.
وفي الإيثار بمعرفة رواة الآثار: زيد بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب مات مع أمه في يوم واحد وكان مولده في آخر حياة أبيه سنة ثلاث وعشرين، ومات وهو شاب في خلافة معاوية في ولاية سعيد بن العاص على المدينة، صلى عليه أخوه من أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب وشهد الصلاة عليه خالاه الحسن والحسين وآخرون. اهـ.
وفي الثقات لابن حبان: وأما رقية بنت عمر: فولدت لإبراهيم بن نعيم بن عبد الله النحام جارية فتوفيت ولم تعقب. اهـ.
وعن تاريخ وفاة كل من زيد ورقية: فإن زيدا ـ كما قدمنا ـ توفي في حدود: 50 للهجرية، أما رقية: فلم نطلع على تاريخ وفاتها بشكل دقيق، لكنها توفيت قبل سنة 63هـ، لأن زوجها توفي في وقعة الحرة، وهي توفيت عنده كما ذكر أهل التاريخ، جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر: لما ماتت رقية بنت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عند إبراهيم بن نعيم بن عبد الله، فدفنت بالبقيع انصرف به عاصم إلى منزله فأخرج له ابنتيه حفصة وأم عاصم، فقال له اختر أيهما شئت، فإنا لا نحب أن ينقطع صهرك منا، قال إبراهيم: لم يخف علي أن أم عاصم أجمل المرأتين فتجاوزت عنها وقلت يصيب بها أبوها رغبة من بعض الملوك لما رأيت من جمالها وتزوجت حفصة، فتزوج عبد العزيز بن مروان بن الحكم أم عاصم فولدت له عمر بن عبد العزيز وإخوة له ثم هلكت عنده وهلك إبراهيم بن نعيم عن حفصة بنت عاصم. اهـ.
وجاء في الطبقات الكبرى: وكان إبراهيم بن نعيم أحد الرؤوس يوم الحرة، وقتل يومئذ في ذي الحجة سنة ثلاث وستين. اهـ.
والله أعلم.