السؤال
ما حكم القول والاعتقاد بعبارات مثل: لو أراد الله لأدخل كل الخلق في جهنم ـ وغيرها من العبارات التي تدل بشكل غير مباشر على عدم التصديق بوعد الله لعباده والقنوط من رحمة الله؟.
ما حكم القول والاعتقاد بعبارات مثل: لو أراد الله لأدخل كل الخلق في جهنم ـ وغيرها من العبارات التي تدل بشكل غير مباشر على عدم التصديق بوعد الله لعباده والقنوط من رحمة الله؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو الملك الفعال لما يريد، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال تعالي: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال {الرعد:11}.
وروى أبو داود، وأحمد، والحاكم في المستدرك، وغيرهم، من حديث ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم.
ولكنه سبحانه وتعالى متصف بالرحمة والجبروت والانتقام ممن عصاه، كما قال تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم {الحجر:49ـ 50}.
وقال تعالى: اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم {المائدة:98}.
وقال تعالى: إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم {الأنعام:165}.
ورحمته تغلب غضبه، كما في حديث الصحيحين: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي. وفي رواية: إن رحمتي سبقت غضبي.
وقد ذكر أهل العلم أن قضاء الله وقدره يجري بمقتضى صفات رحمته وغضبه، فلن يحرم جميع الخلق من رحمته ويدخلهم النار جميعا، فقد حكم بأن من خلقه من هم آمنون من النار، كما قال الله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون {الأنبياء:101ـ102}.
وقد خلق سبحانه وتعالى للجنة أهلا وللنار أهلا، وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه لو شاء لجعل الناس كلهم مؤمنين فيدخلون الجنة، حيث قال: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. {السجدة:13}.
وقال تعالى: وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين {هود: 119}.
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره، لعلمه التام وحكمته النافذة، أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار، وأنه لابد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس، وله الحجة البالغة والحكمة التامة. اهـ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، قال: فقضى بينهما، إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها. رواه أحمد وغيره، وصححه الأرنؤوط.
فقد اقتضت حكمة الله ألا يهدي الجميع، بل يمتحنهم لتظهر معادنهم، ولكنه لو شاء هداية الجميع ورحمتهم أو إضلال الجميع وتعذيبهم لفعل، فقد قال الله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون{النحل: 93}.
وقال: ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير {الشورى: 8}.
وقال: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون {يونس:99ـ 100}.
وقال تعالى: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا {الرعد:31}.
وبناء عليه، فإنه لا حرج في اعتقاد هذه المقولة ولا تكرارها.
والله أعلم.