السؤال
كنت في الماضي لا أكترث إذا قمت بصرف الأموال في أمور كدراسة لغة جديدة، أو السفر للسياحة، أو السكن في شقة جيدة، أو تعلم السياقة، أو شراء سيارة.... الخ.
ولكن حدث لي أكثر من موقف، جعلني أهتم بالأموال جدا، وخائف من المستقبل لي، ولأسرتي، ولا أثق في أي شخص، فأصبحت حريصا للغاية، ولكني أحافظ على الزكاة، ولكن قللت الصدقات. لا أعلم إذا كنت قد أصبحت بخيلا، أو أنني أخاف عندما يسألني الله عن مالي فيم صرفته.
أصبحت في بعض الأمور المتعلقة بصرف الأموال، أصلي استخارة، وتكون النتيجة عدم ارتياحي دائما لصرف الأموال، أخاف أن يكون حرصي على الأموال، يؤثر على نتيجة صلاة الاستخارة.
وآخر شيء هو أن صديقا لي، طلب مني قرضا حسنا، ولم أكن معترضا إطلاقا، ولكن بعد يوم، وخوفي على الأموال، والمستقبل، وضخامة المبلغ قررت أصلي استخارة، وكالعادة كانت النتيجة سلبية، فرفضت إقراضه المال.
ماذا أفعل؟؟! أنا أكره نفسي، وأنا في هذه الحالة (حرصي، وخوفي على المال، وخوفي من عدم أمانة الناس جميعا رغم قربهم لي، وثقتي فيهم)
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأفضل في هذا الأمر كما في غيره، هو التوسط، فلا يكون الشخص مبذرا للأموال يمنة ويسرة دون حساب، ولا يكون بخيلا، شحيحا، لا ينفق مما أعطاه الله، بل ينفق حيث أمر بالإنفاق، ويمسك حيث أمر بالإمساك.
ولتوضيح ما نقصد نحيلك إلى كلام جميل للغزالي أورده في كتابه "إحياء علوم الدين" حيث يقول: المال خلق لحكمة، ومقصود وهو صلاحه لحاجات الخلق، ويمكن إمساكه عن الصرف إلى ما خلق للصرف إليه، ويمكن بذله بالصرف إلى ما لا يحسن الصرف إليه، ويمكن التصرف فيه بالعدل، وهو أن يحفظ حيث يجب الحفظ، ويبذل حيث يجب البذل، فالإمساك حيث يجب البذل بخل، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير، وبينهما وسط وهو المحمود، وينبغي أن يكون السخاء، والجود عبارة عنه؛ إذ لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسخاء، وقد قيل له: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط. وقال تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. فالجود وسط بين الإسراف، والإقتار؛ وبين البسط والقبض، وهو أن يقدر بذله وإمساكه بقدر الواجب، ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به، غير منازع له فيه. اهـ.
وبذا تعلم أن التوسط-كما قدمنا-هو الأمر المحمود، فما كنت عليه في الماضي من عدم اكتراث في صرف الأموال على أي وجه، قد يكون من التبذير المذموم إذا تجاوز الحد، وكانت الأموال تصرف في غير محلها، كما أن ما أصبحت عليه أيضا من حرص شديد على المال، غير محمود شرعا، ونخشى أن يتطور حتى يصل إلى البخل، والشح المذمومين، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم البخل داء، ووصفه بقوله: وأي داء أدوأ من البخل. قالها ثلاثا. رواه البخاري.
وبين عليه الصلاة والسلام ماذا نفعل بالمال فقال: كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف، ولا مخيلة. رواه البخاري.
فاحذر من البخل، ومن التبذير، واعرف المقصد الشرعي من الأموال، فأد الحقوق التي عليك فيها، وأعن من يحتاج إلى الإعانة منها، وأقرض من يحتاج إلى القرض ممن لا تخشى مماطلته.. الخ، وبذلك يصدق عليك-إن شاء الله-قول النبي صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح، للمرء الصالح. أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
هذا وننبه إلى أن عدم الارتياح بعد الاستخارة، ليس دليلا كافيا وحده على أن الإنسان يترك الفعل، فالراجح أن ما يعتمده العبد بعد الاستخارة، هو أنه يمضي في أمره، فإن كان هو الخير يسره الله له، وإلا فإن الله سيصرفه عنه، كما بيناه في الفتوى رقم: 123457. فلا يصدنك مجرد ذلك الشعور بعدم الارتياح، عن فعل الخير، فإن النفس بطبعها تحب المال حبا جما كما قال تعالى: وتحبون المال حبا جما {الفجر:20}، وليس من السهل عليها الارتياح لبذله، فينبغي أن لا يطاوعها الإنسان في ذلك، بل يجاهدها حتى ينزع منها البخل، والشح ويعودها على البذل والعطاء.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 95898- 97298
والله أعلم.