السؤال
الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمني بأبي، وأمي، وأسأل الله العلي العظيم أن يعينني على برهما.
ولكن المشكلة أنه أحيانا يحدث بيني وبين أحدهما، وخاصة أبي، نقاش حاد، قد يصل للشجار، أو الصوت المرتفع، وأعلم أن هذا حرام، ولا يجوز، ولكن يكون هناك ضغط عصبي علي، وربما كان السبب هو انتقاد أبي لي في طريقة أكلي، أو لبسي، أو غير ذلك، رغم أني تجاوزت 25 عاما، ولربما انتقدني أبي في أشياء أراه يفعل مثلها.
فماذا أفعل؟ وإذا وصل الأمر للشجار بيننا وأنا صائم هل علي إعادة الصوم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله تعالى ببر الوالدين، وحذر من أي إساءة في حقهما، مهما كان نوعها، فقال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء:23- 24}.
وعليه، فإن ما يحصل منك من رفع الصوت على أبيك، والشجار معه، يعتبر عقوقا، والعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، ووردت فيه النصوص بالوعيد الشديد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وشهادة الزور -ثلاثا- أو قول الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث. وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى. رواه أحمد. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن, رجاله ثقات، رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار.
واعلم أنه مهما أساء الأب، أو قسا، أو رفع صوته، لم يجز لأحد من أولاده أن يسيء إليه، فحقه في البر والإحسان، وحرمة عقوقه، لا تسقط على كل حال. وراجع الفتوى رقم: 69066.
فتب إلى الله تعالى مما كان منك تجاه والدك، ولا تعد إليه أبدا، ولو كان انتقاده لك في غير محله، أو كنت محقا فيما تفعل، فلا ترفع عليه صوتك، بل ناقشه بأدب، ولطف، ولين، وانتق من العبارات ما يتناسب مع مقامه منك، وإذا لاحظت منه غضبا، فتجنب نقاشه في وقت غضبه، وجاره فيما يريد، أو دعه حتى يهدأ ويذهب عنه الغضب، ثم بين له موقفك بكل احترام.
وليس أمامك حل غير ذلك؛ فإن هذا أبوك الذي هو سبب وجودك في هذه الدنيا، وقد قرن الله رضاه، وسخطه برضا وسخط الولدين، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رضا الله في رضا الوالدين, وسخط الله في سخط الوالدين. أخرجه الترمذي, وصححه ابن حبان والحاكم.
فليس أمام المرء إلا أن يسعى في رضا والديه، ويتجنب سخطهما بشتى السبل، حتى لا يقع في سخط الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياك من البارين بآبائهم، وأمهاتهم.
أما بخصوص تأثير الشجار على الصوم، فإن الصوم من حيث الصحة صحيح، قد برئت به ذمتك، ولا تطالب بقضائه، لكن قد ينقص أجرك؛ لأن الصوم الحقيقي هو صوم جميع الجوارح عن ما حرم الله، والعاق لم يصم عما حرم الله لارتكابه إثم العقوق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
وقال: ( ..والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب. فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. رواهما البخاري.
وراجع - لمزيد الفائدة - الفتويين: 56447-25751.
والله أعلم.