السؤال
هناك دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا... فهل يفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الحرمان والنقص في كل شيء... وأن النقص في أي شيء تريده هو من العسر الذي كرهه النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذ بالله منه؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه أحمد والترمذي، والنسائي في الكبرى، والحاكم من حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ ولفظ الدعاء الوارد في الحديث: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا. والحديث اختلف في صحته، إذ قد رمز السيوطي لصحته، وحسنه البغوي، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: سئل عبد الرزاق عن شيخه ذا ـ يعني يونس بن سليم ـ فقال: أظنه لا شيء، وضعفه كثير من أهل العلم، قال النسائي: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه غير يونس بن سليم، ويونس بن سليم لا نعرفه ـ وضعف الحديث الألباني والأرنؤوط. والحاصل أن الحديث ضعيف.
ثم المقصود من طلب الزيادة في الحديث هو طلب الزيادة من الخير الديني والدنيوي، وأما ما لم يكن خيرا للعبد في دينه أو دنياه فلا تطلب الزيادة منه، وقد يظن العبد خيرا ما ليس بخير ومن ثم فعليه أن يجتهد في دعاء الله تعالى والتوكل عليه وإحسان الظن به ثم يرضى بما يقدره ويقضيه ويقنع بما يقسمه له عالما أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، قال الصنعاني في شرح الحديث: اللهم زدنا ـ حذف مفعوله الثاني قصدا للتعميم ـ أي من كل خير ديني ودنيوي ـ ولما كان العبد لا يزال مفضلا عليه سأل الزيادة: ولا تنقصنا ـ مما أفضلت به من إنعامك علينا، أو لا تنقصنا من غيرنا ممن أفضلت عليه: وأكرمنا ـ بطاعتك: ولا تهنا ـ بعصيانك، فإن الطاعة سبب الإكرام في الدارين، والمعصية سبب الإهانة فيهما، وهو سؤال التوفيق الأعمال الصالحة وعدم الخذلان. انتهى.
وفي المرعاة: اللهم زدنا ـ أمر من الزيادة أي من الخير والترقي، أو كثرنا ولا تنقصنا ـ بفتح حرف المضارعة وضم القاف من نقص المتعدى أي: لا تنقص خيرنا ومرتبتنا وعددنا وعددنا، قال القاضي والطيبي: عطفت هذه النواهي على الأوامر للمبالغة والتأكيد وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ للتعميم والمبالغة كقولك: فلان يعطي ويمنع، وأكرمنا ـ بقضاء مآربنا في الدنيا ورفع منازلنا في العقبى، ولا تهنا ـ بضم تاء وكسر هاء وتشديد نون على أنه نهى من الإهانة وأصله ولا تهوننا، نقلت كسرة الواو إلى الهاء فالتقت ساكنة مع النون الأولى الساكنة فحذفت وأدغمت النون الأولى في الثانية أي: لا تذلنا، وأعطنا ـ من الإعطاء، ولا تحرمنا ـ بفتح التاء وكسر الراء، وفي القاموس: حرمه الشيء كضربه وعلمه حرمانا بالكسر منعه حقه وأحرمه لغية، أي لا تمنعنا ولا تجعلنا محرومين، وآثرنا ـ بالمد وكسر المثلثة أمر من الإيثار، أي اخترنا برحمتك وإكرامك وعنايتك، ولا تؤثر علينا ـ أي غيرنا بلطفك وحمايتك، وقيل لا تغلب علينا أعداءنا، وأرضنا ـ أمر من الإرضاء، أي أرضنا عنك بمعنى اجعلنا راضين بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر وتوفيق الشكر وتحمل الطاعة والتقنع بما قسمت لنا، وارض عنا ـ بهمزة وصل وفتح ضاد أمر من الرضاء، أي كن راضيا عنا بالطاعة اليسيرة الحقيرة التي في جهدنا، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا. انتهى.
وبه يتبين لك مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، وأنه طلب الزيادة والعطاء من الخير مع العلم بقصور العبد وعدم إحاطته بالمصالح، فقد يتصور العبد الأمر على خلاف ما هو عليه فيظن الزيادة في أمر معين نافعة له ويكون الأمر بالعكس، ومن ثم ختم الدعاء بقوله: وأرضنا وارض عنا.
والله أعلم.