السؤال
علماءنا الكرام.
أرجو إلقاء الضوء على حديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. (تفصيلا) وكيفية جمع معنى الحديث، مع ما نراه، ونلمسه في واقعنا ممن هو مقيم على معاصي كثيرة، ومع ذلك يبسط له في رزقه.
وجزاكم الله عنا، وعن المسلمين خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر هذا الإشكال، وجوابه بعض العلماء.
قال القاري في مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح: قال المظهر: له معنيان:
أحدهما: أن يراد بالرزق ثواب الآخرة.
وثانيهما: أن يراد به الرزق الدنيوي من المال، والصحة، والعافية، وعلى هذا إشكال، فإنا نرى الكفار، والفساق أكثر مالا، وصحة من الصلحاء، والجواب أن الحديث مخصوص بالمسلم يريد الله به أن يرفع درجته في الآخرة، فيعذبه بسبب ذنبه الذي يصيبه في الدنيا. قلت: وهذا أيضا من القضاء المعلق؛ لأن الآجال، والآمال، والأخلاق، والأرزاق كلها بتقديره، وتيسيره. انتهى.
وقال الصنعاني في التنوير، شرح الجامع الصغير: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) اعلم أن الذنوب مانعة لكل خير، جالبة لكل شر، فمن الخير الذي يمنعه الرزق ...المراد بالرزق هنا ما يكون به سبب طيب الحياة، وطهارة القلب، وسلامة الجوارح وانبعاثها في الطاعات، وذلك ليس إلا الرزق الحلال؛ فإن الحرام إنما يعمي القلب، ويثبط الجوارح عن الطاعات، ويطلق عنانها في المعاصي. إذا عرفت هذا، عرفت اندفاع ما يقال: كم من عاص قد وسع عليه في الدنيا، ونال شهواته، ورب تقي في أضيق عيش، ولأن المراد به الذي يقنع به العبد عن الهلع، وتقر به عينه وإن كان قليلا في نفسه، فرب مقل قرير العين بإقلاله، طيب الخاطر. ورب مكثر، ملتهب الأحشاء، يرى كثير ما عنده قليلا، ومن الرزق الذي تمنعه الذنوب رزق العبد العلم؛ فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، كما أفاده قوله تعالى في بعض بني إسرائيل عند عد عقوباتهم: {ونسوا حظا مما ذكروا به} [المائدة: 13]. وهذا في نسيان ما علموه، وقال: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [الأنعام: 110]. فحرموا فقه الوحي لكفرهم أولا...ومن الرزق الذي تحرم العبد العاصي فعله الطاعات، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة، يكون بذله ويقطع طريق طاعة أخرى، ويقطع عليه طريقا ثالثة ورابعة وهلم جرا فيقطع عليه طاعات كثيرة، كل واحدة خير له من الدنيا وما فيها، وما مثاله إلا رجل أكل أكلة أوجبت له مرضا طويلا، منعه عن عدة أكلات أطيب منها. انتهى.
وانظر باقي كلامه، فهو نفيس.
وانظر للفائدة الفتويين: 64270، 218536.
والله أعلم.