0 216

السؤال

أريد أن أعرف إذا كان هناك دليل قاطع في القرآن أو السنة على أن تفسير الرؤيا جائز شرعا، ولدي استغراب أن المفسر يفسر أي شي مهما كان، وإذا وجد دليل فمن المستحيل حصر كل شيء ومعناه، هذا سؤالي.
وفقكم الله وأعانكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فان تعبير الرؤيا الصادر ممن يحسنها جائز، فقد عبرها النبي صلى الله عليه وسلم، وفسرها بحضرته أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، وأما من لا يعرف التعبير فلا يجوز له الكلام فيها بغير علم، قال ابن عبد البر في التمهيد: قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير، وهي عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما أولت عليه؟ فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة. انتهى.

وفي الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني المالكي قال: ولا يجوز تعبير الرؤيا بمجرد النظر في كتاب التفسير كما يفعله بعض الجهلة يكشف نحو ابن سيرين عندما يقال له أنا رأيت كذا، والحال أنه لا علم له بأصول التعبير فهذا حرام؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان وأوصاف الرائين فعلمها عويص يحتاج إلى مزيد معرفة بالمناسبات، ولذلك سأل رجل ابن سيرين بأن قال له: أنا رأيت نفسي أؤذن في النوم فقال له تسرق وتقطع يدك، وسأله آخر وقال له مثل ما قاله الأول فقال له تحج، فوجد كل منهما ما فسر له به فقيل له في ذلك فقال: رأيت هذا بسمة حسنة والآخر بسمة قبيحة، ولا تخرج الرؤيا عن معناها ولو فسرت بغيره على الصحيح. اهـ
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: علم عبارة الرؤيا حق لا باطل؛ لأن الرؤيا مستندة إلى الوحي المنامي، وهي جزء من أجزاء النبوة، ولهذا كلما كان الرائي أصدق كانت رؤياه أصدق، وكلما كان المعبر أصدق، وأبر وأعلم كان تعبيره أصح، بخلاف الكاهن والمنجم وأضرابهما ممن لهم مدد من إخوانهم من الشياطين، فإن صناعتهم لا تصح من صادق ولا بار، ولا متقيد بالشريعة، بل هم أشبه بالسحرة الذين كلما كان أحدهم أكذب وأفجر، وأبعد عن الله ورسوله ودينه، كان السحر معه أقوى وأشد تأثيرا، بخلاف علم الشرع والحق، فإن صاحبه كلما كان أبر وأصدق وأدين كان علمه به ونفوذه فيه أقوى. انتهى.
ثم ان المعبر لا يستغرب منه تعبير جميع ما يسأل عنه أحيانا، كما أنه قد يخطئ اجتهاده في وقت ما، وقد يعجز عن التعبير لبعض المرائي أحيانا، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يحدث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر منهم والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل آخر فانقطع به، ثم وصل، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعبر قال: أما الظلة فالإسلام، أما الذي تنطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضا، وأخطأت بعضا قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: فلا تقسم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة