السؤال
ما حكم المهندس الذي يعمل في بناء أبراج مخالفة في الارتفاع للقوانين الوضعية في البلد، سواء برسمة هندسية أم إشراف مدني؟ مع العلم أن أغلب الأبنية مخالفة في بلدنا, ولا يطبق القانون على الجميع. وإذا كان حراما ماذا يفعل بالمال الذي أخذه؟ وهل إذا تم التصالح مع الحي عن طريق دفع المالك الأساسي غرامة أو رشوة -لا أعرف بالتحديد- يكون حلالا؟ مع العلم أن هذا احتمال، وليس مؤكدا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتحديد مستوى لا يتجاوزه البنيان: يدخل في تقييد المباح، وقد نص العلماء على أن لولي الأمر تقييد المباح، إذا كان في ذلك مصلحة ظاهرة؛ قال الشيخ/ يوسف القرضاوي -حفظه الله-: إن الذي أعطاه الشارع لولي الأمر هو: حق تقييد بعض المباحات لمصلحة راجحة في بعض الأوقات, أو بعض الأحوال, أو لبعض الناس، لا أن يمنعها منعا عاما مطلقا مؤبدا.
وقد بينا في فتاوى سابقة مدى وجوب طاعة ولي الأمر في تقييد المباح, وأنه إنما تجب إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت، عملا بالقاعدة الفقهية التي تقول: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. انتهى من المنثور في القواعد للزركشي، والأشباه والنظائر للسيوطي.
وما كان من تلك القوانين ليس فيه مصلحة عامة، فإنه لا يجب التزامه إلا ظاهرا فقط؛ جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية ما يلي: الذي يظهر أن ما أمر به ـ أي: الحاكم ـ مما ليس فيه مصلحة عامة, لا يجب امتثاله إلا ظاهرا ـ يعني خشية الضرر أو الفتنة فقط ـ بخلاف ما فيه ذلك يجب باطنا أيضا. انتهى. وانظر الفتويين: 116029, 135519.
وإذا كان قانون منع تجاوز البنيان لطول معين مما فيه مصلحة عامة ظاهرة أو تنبني على مخالفته مفسدة عامة ظاهرة، كما لو كان في المخالفة خطر يهدد الناس، بانهيار المبنى, ونحو ذلك, فلا تجوز مخالفته, ولا التعاون مع من يريد ذلك برسم هندسي، أو غيره, والمال مقابل هذا العمل: لا يحل, ويتخلص منه مكتسبه بإنفاقه على الفقراء والمساكين.
وبخصوص دفع المال لمسئولي الحي: فإن كان مقابل تغاضيهم عن تلك المخالفة القانونية مما يفوت المصلحة العامة فهذا من الرشوة المحرمة, وهي من كبائر الذنوب، فيحرم طلبها, وقبولها, وبذلها.
وننبه إلى أننا أجبنا حسبما تصورنا، فإن كان ذلك خلاف الواقع فبإمكانكم التواصل معنا للتوضيح. والله أعلم.