السؤال
هل شكوى المرء لحاله من مرض أو مصيبة في ماله أو صحته لغيره يتنافى مع الصبر واحتساب الأجر، وهل يعاقب على فعله هذا رغم رضاه بقدر الله؟.
هل شكوى المرء لحاله من مرض أو مصيبة في ماله أو صحته لغيره يتنافى مع الصبر واحتساب الأجر، وهل يعاقب على فعله هذا رغم رضاه بقدر الله؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشكوى لمن يعين في العلاج، أو يستشار في الرأي، ليس فيه محظور، ولا يعتبر منافيا للصبر، ما دام الإنسان راضيا بقضاء الله، وإنما يمنع التشكي الذي يدل على التضجر من قضاء الله، وتسخط القدر.
وقد قال نبي الله أيوب عليه السلام: أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين {الأنبياء:83}،
وفي البخاري من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: وا رأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه... الحديث.
وقد بوب البخاري في صحيحه بابا تعرض فيه لتلك المسألة فقال يرحمه الله: باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام "مسني الضر وأنت أرحم الراحمين،
قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه، كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر؟ والله أعلم.
وقال ابن حجر: وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال: هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين، قلت: لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع، ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من الله ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك، فكأن مراد البخاري أن الذي يجوز من شكوى المريض ما كان على طريق الطلب من الله، أو على غير طريق السخط للقدر، والتضجر. والله أعلم.
وقد سبقت الإجابة عن ذلك بالتفصيل في الفتوىين رقم: 28045، ورقم: 222199.
والله أعلم.