الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنذر المعلق على حصول أمر يجب الوفاء به إذا حصل المعلق عليه, وبالتالي؛ فالواجب على هذا الرجل: صيام شهر على الوجه الذي نذره, لكن إذا كان قد نذر أن يصوم شهرا غير معين, ولم ينو التتابع، لم يجب عليه التتابع عند جمهور أهل العلم, فإن اختار أن يصوم شهرا مفرقا لزمه أن يصوم ثلاثين يوما، وإن اختار أن يصوم متتابعا، فإن بدأ صيامه أول الشهر الهلالي صامه إلى آخره, وإن كان الشهر تسعة وعشرين، وإن بدأ صيامه أثناء الشهر لزمه أن يصوم ثلاثين يوما، ففي الموسوعة الفقهية: ذهب فقهاء الحنفية, والمالكية, والشافعية, والحنابلة, إلى أن من نذر صيام شهر غير معين فهو بالخيار بين أن يصومه من بداية شهر هلالي, أو أن يصومه بالعدد، فإن صامه من بداية شهر هلالي وتابع في صيامه أجزأه عن نذره, وإن خرج الشهر ناقصا، وإن صام بعد مضي بعض الشهر الهلالي، أو صام شهرا بالعدد أجزأه صيام ثلاثين يوما احتياطا، وإن احتمل لفظ الشهر أن يكون تسعة وعشرين يوما؛ وذلك لأن الشهر يطلق على ما بين الهلالين، تاما كان أو ناقصا، كما يطلق على ثلاثين يوما، فأيهما فعل الناذر فقد خرج من العهدة، وقد اختلف هؤلاء في صفة صيام هذا الشهر, وعما إذا كان يجزئه فيه التفريق، أم أنه يشترط في صيامه التتابع على اتجاهين: الاتجاه الأول: يرى أصحابه أن من نذر صيام شهر غير معين ـ ولم يشترط التتابع ـ فهو بالخيار في صيامه، فإن شاء فرق وإن شاء تابع، أما إن اشترط التتابع فإنه يلزمه، وهذا مذهب الحنفية, والمالكية, والشافعية، وهو رواية عن أحمد, ووجه لبعض أصحابه. الاتجاه الثاني: يرى من ذهب إليه أن من نذر صيام شهر غير معين, فإنه يلزمه أن يتابع في صيامه، اشترط التتابع أم لا ولا يجزئه التفريق فيه، وهو قول أبي ثور, وهو المذهب عند الحنابلة. انتهى.
وفي حال صيام الشهر مفرقا, فيجزئ في النذر صيام الخميس والاثنين أو أيام البيض مثلا, جاء في حاشية الجمل:
قال في المجموع: وينبغي اشتراط التعيين في الصوم الراتب, كعرفة, وعاشوراء, وأيام البيض, وستة من شوال, كرواتب الصلاة, وأجيب بأن الصوم في الأيام المذكورة منصرف إليها, بل لو نوى به غيرها حصلت أيضا كتحية المسجد؛ لأن المقصود وجود صوم فيها. انتهى.
ولا يجوز لأقارب الناذر, ولا غيرهم، أن يصوموا عنه بعض هذا الشهر, فالنيابة لا تجزئ فى الصيام عن الحي إجماعا؛ قال الإمام النووي -يرحمه الله- في شرحه على مسلم: وقال القاضي: وأصحابنا أجمعوا على أنه لا يصلى عنه -أي الميت- صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت. انتهى.
وفي الأخير ننبه على أن الإقدام على النذر مكروه؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عنه، قال ابن قدامة في المغني: ولا يستحب، لأن ابن عمر روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير, وإنما يستخرج به من البخيل. متفق عليه، وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم، لأنه لو كان حراما لما مدح الموفين, لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحبا لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأفاضل أصحابه. انتهى.
والله أعلم.