حكم الدعاء بتفاصيل ما في الجنة من نعيم

0 191

السؤال

سؤالي هو: هل يجوز أن أدعو الله في الصلاة أو أي وقت بأن يجعل لي في الجنة ما تشتهيه نفسي من الدنيا؟ مثلا هل يجوز أن أدعو هكذا: يا رب اجعل لي في الجنة عالما من البحار والأنهار، أو أدعو الله بأن يجعل لي في الجنة ما أشتهيه من الهوايات، مثل: يا رب اجعل لي في الجنة عالم سباحة أو عالم مصارعة، مع العلم أني لا أحدد نعيمي بل أريد نعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهل هذا يعتبر من الاعتداء في الدعاء أو أن أدعو الله بأن يجعل لي في الجنة عالما أني أكون فيه ممثلا وبطل أفلام، هل يجوز أن أطلب ما تشتهيه نفسي من الدنيا وأنا في الدنيا؟ أم أطلب من الله وأنا في الجنة؟ وهل ينسيني الله في الجنة ماكنت أتمناه من الدنيا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فحسبك أن تسأل الله الجنة، وأن تتعوذ به من النار، وأن تتشاغل بأسباب دخول الجنة وسلوك الطريق الموصل إليها، واعلم أن الله إذا من عليك بالجنة فإنك تنال فيها ما تشتهيه بل ما لا تتصوره من أنواع النعيم كما قال تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين {الزخرف:71}، وقال تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين {السجدة:17}، فمن دخل الجنة نال فيها كل ما يتمناه، ولذا نهى السلف عن التشقيق في الدعاء والتقعر والمبالغة بسؤال الله أنواعا معينة من النعيم في الجنة، وعدوا ذلك من أنواع الاعتداء في الدعاء فقد قال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالي: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين {الأعراف:55}،  قال رحمه الله تعالي : قال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن زياد بن مخراق سمعت أبا نعامة عن مولى لسعد أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا، وتعوذت به من شر كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء- وفي لفظ- يعتدون في الطهور والدعاء- وقرأ هذه الآية ادعوا ربكم تضرعا الآية- وإن بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ورواه أبو داود من حديث شعبة عن زياد بن مخراق عن أبي نعامة عن مولى لسعد عن سعد فذكره. والله أعلم.
وقال الإمام أحمد  : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا الحريري عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال يا بني سل الله الجنة وعذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور، وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان به وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سعيد بن إياس الجريري. عن أبي نعامة واسمه قيس بن عباية الحنفي البصري وهو إسناد حسن لا بأس به والله أعلم. اهـ 

وفي مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام  (22/ 475) : العدوان يكون تارة في كثرة الألفاظ، وتارة في المعاني كما قد فسر أحد الصحابة ذلك إذ قال هذا لابنه لما قال: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها وقال الآخر: أسألك الجنة وقصورها وأنهارها، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور} .... فإن قيل: ما جاز من الدعاء خارج الصلاة جاز في الصلاة مثل سؤاله: دارا وجارية حسناء. قيل: ومن قال: إن مثل هذا مشروع خارج الصلاة وإن مثل هذه الألفاظ ليست من العدوان؟ وحينئذ فيقال: الدعاء المستحب هو الدعاء المشروع فإن الاستحباب إنما يتلقى من الشارع فما لم يشرعه لا يكون مستحبا بل يكون شرع من الدين ما لم يأذن به الله، فإن الدعاء من أعظم الدين لكن إذا دعا بدعاء لم يعلم أنه مستحب أو علم أنه جائز غير مستحب: لم تبطل صلاته بذلك؛ فإن الصلاة إنما تبطل بكلام الآدميين والدعاء ليس من جنس كلام الآدميين .... اهـ
  وانظر لبيان ذم الاعتداء في الدعاء الفتوى رقم: 111332، وكل ما تريد الدعاء به مما يجوز تمنيه فلا حرج في الدعاء به، وإن كان إجمال المسألة وسؤال الله الجنة مطلقا أفضل، وانظر الفتوى رقم: 269236، وأماني أهل الجنة تختلف عن أماني أهل الدنيا كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 263695، فلا تقاس هذه الحال بحالك في الدنيا، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ـ رضي الله عنهما ـ في حديث آخر أهل الجنة دخولا الجنة: فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة فيقول الله: ويحك يا ابن آدم! ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول: تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله تعالى: زد من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله عز وجل: لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه. فهذا يدلك على أن الأمر في الجنة وراء ما تتصوره وأنه لا يقتصر على مجرد الأماني التي تتمناها.

وأما عن نسيانك في الجنة ما كنت تتمني في الدنيا فلم نطلع على دليل في شأنه.  

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة