السؤال
قد عملت سحرا لفتاة، وأنا ما فعلت لها أي شيء، إلا أنني خفت من الله، وتبت عن معصيتي، لكني جعلت أمي تقابلها لكن لم يحدث شيء، والعمل في خاتم، والبنت الآن مربوطة، فكيف ألغي العمل؟ وهل تشملنا الآية الكريمة: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا)؟ وهل أنا وأمي دخلنا في الوعيد؟ نحن لم نصنع أي شيء، وأنا بنفسي لم أقابلها.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أنك أخطأت خطأ كبيرا، فإنه من المنكر والحرام البين القيام بالسحر، وطلب فعله من السحرة، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال : الشرك بالله، والسحر، ... الحديث. رواه البخاري، ومسلم. وفي الحديث: ليس منا من سحر أو سحر له. رواه الطبراني، وصححه الألباني. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله، فصدق بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-. رواه أبو يعلى، والبزار، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.
والواجب عليك هو: التوبة مما سبق، وأن تستسمح وتتحلل من هذه الفتاة التي وقع عليها الظلم, إن أمكن ذلك بطريقة لا تثير شرا أعظم، فحاول استسماحها استسماحا عاما؛ ففي الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.
قال البغوي: قوله: فليتحلله: أي: ليسأله أن يجعله في حل من قبله، يقال: تحللته واستحللته: إذا سألته أن يجعلك في حل، ومعناه: أن يقطع دعواه، ويترك مظلمته. شرح السنة للبغوي.
ولا يلزمك التصريح لها بحقيقة الأمر إن كانت المصارحة بذلك تزيد الأمر تعقيدا، كما قاله بعض أهل العلم، وعليك بالدعاء لها، والاستغفار لها، فقد اختار جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، أن مثل هذه الحقوق المعنوية يكفي الدعاء لأصحابها والاستغفار لهم، قال الغزالي: وأما العرض: فإن اغتبته أو شتمته أو بهته فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده، وأن تستحل من صاحبك إذا أمكنك إذا لم تخش زيادة غيظ وتهييج فتنة في إظهار ذلك وتجديده، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- ليرضيه عنك. انتهـى.
وقال الغزالي أيضا: ومن اجتمعت عليه مظالم، وقد تاب عنها، وعسر عليه استحلال أرباب المظالم، فليكثر من حسناته ليوم القصاص، ويسر ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص، بحيث لا يطلع عليه إلا الله، فعساه يقربه ذلك إلى الله تعالى، فينال به لطفه الذي ادخره لأحبابه المؤمنين في دفع مظالم العباد. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 18180 لمزيد الفائدة.
وإن أمكن العثور على السحر: فعليك بالسعي في حرقه أو إتلافه، مع التحصن بالذكر حال الإتلاف، والحرص على ستر نفسك، وإلا فحاول السعي في رقيتها بالرقية الشرعية، فإذا عملت الرقية الشرعية فالمرجو أن يزول أثر السحر -إن شاء الله-.
وأما الآية: فلا علاقة لها بالموضوع؛ فإنها وردت في حث الكفار على الاتعاظ بحال قوم ثمود؛ قال القرطبي في تفسيره: قوله: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال [إبراهيم:45]. أي: في بلاد ثمود ونحوها، فهلا اعتبرتم بمساكنهم بعدما تبين لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن... انتهى.
هذا؛ وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من دخول مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ووقع عليهم العذاب، لما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: مررنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الحجر، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم زجر فأسرع حتى خلفها.
وفي رواية البخاري: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: فيه الزجر عن السكن في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها. اهـ.
وراجع الرقية الشرعية، والمزيد فيما ذكرنا في هاتين الفتويين: 108281، 80694.
والله أعلم.