الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح من حديث أبي وهب الجشمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث وهمام، وأقبحها: حرب ومرة. رواه أبو داود، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والبيهقي في الآداب، والطبراني في الكبير، وغيرهم.
قال ابن حجر في "الفتح": [وأما الأخيران: فلما في الحرب من المكاره، ولما في مرة من المرارة]. اهـ.
وذلك لما في الأسماء الحسنة من الفأل الحسن، لا من باب التطير بالأسماء القبيحة، كما قال ابن عبد البر في "التمهيد": [ليس من باب الطيرة؛ لأنه محال أن ينهى عن شيء ويفعله. وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن... لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الاسم الحسن، والفأل الحسن، وكان يكره الاسم القبيح؛ لأنه كان يتفاءل بالحسن من الأسماء]. اهـ.
وروى البخاري, وغيره، عن سعيد بن المسيب عن أبيه: أن أباه -حزنا- جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل قال: لا أغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد.
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى": [والمنع يتعلق بالأسماء على ثلاثة أوجه: أحدها: ما تقدم من قبيح الأسماء كحرب وحزن ومرة]. اهـ.
قال ابن حجر في "الفتح": [قال ابن التين: معنى قول ابن المسيب: "فما زالت فينا الحزونة": يريد اتساع التسهيل فيما يريدونه. وقال الداودي: يريد الصعوبة في أخلاقهم إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله. وقال غيره: يشير إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم، فقد ذكر أهل النسب: أن في ولده سوء خلق معروفا فيهم لا يكاد يعدم منهم]. اهـ.
قال الفتني في "مجمع بحار الأنوار": [كره الحزن -بفتح حاء وسكون زاي- لما فيه من الصعوبة؛ فإنه أرض غليظة]. اهـ.
ولا شك أن اسم: "متعب" فيه من معنى الصعوبة، والمشقة, والشقاء, والعسر, ما لا يخفى. كما جاء في "تكملة المعاجم العربية":[متعب: صعب، شاق، عسير، مضن]. وفي "معجم اللغة العربية المعاصرة" في معنى "شاق":[مرهق، متعب... وعر، صعب، عسير]. اهـ. فهذه الأسماء إما مترادفة، وإما مترابطة بالتضمن أو الالتزام.
فعين علة كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم: "حزن" موجودة في اسم: "متعب"، فضلا عن كونه داخلا في عموم كراهية الأسماء القبيحة.
قال ابن قاسم في حاشية الروض: [وذلك لأنه لما كانت الأسماء قوالب للمعاني، ودالة عليها، فتضمنت الحكمة الإلهية أن يكون بينها ارتباط وتناسب، وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها، فإن حكمة أحكم الحاكمين تأبى ذلك، والواقع يشهد بخلافه، بل لها تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن، والقبح، والخفة، والثقل، واللطافة، والكثافة]. اهـ.
وقد نص أهل العلم على أن من حق الولد على والده أن يختار له اسما حسنا.
وقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- تغيير الأسماء القبيحة والغليظة، إلى الجميلة واللطيفة، وروي عنه في ذلك الكثير. قال أبو داود في "السنن": [وغير النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم العاص، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسماه هشاما، وسمى حربا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا تسمى عفرة سماها خضرة، وشعب الضلالة، سماه شعب الهدى، وبنو الزنية، سماهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة]. اهـ.
ولك في النبي -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة.
والله أعلم.