لا حرج في تجنب لقاء من يخشى من ضرره

0 426

السؤال

سؤالي هو هل يجب علي إفشاء السلام على كل شخص أعرفه؟ حتى لو كانت معرفتي به سطحية ورسمية ؟ فهناك فتيات كن معي أيام المدرسة، وعند دخولنا الجامعة أراهن بعض الأوقات، ولكن لا نفشي السلام ليس هجرا منا، ولكن ربما لأنه ليس لنا علاقه ببعضنا قوية، فهل علينا إثم في ذلك؟ وأيضا هناك فتاة منهن تكرهني بدون أسباب هداها الله، وغالبا ما تحاول أن تتصرف أو تقول شيئا يزعجني عندما أمر بجانبها، وليس بيننا أي علاقه سوى أنها كانت معي في الصف فقط، فهل تركي السلام عليها محرم؟ علما أنني أراها فقط من بعيد، وأحيانا أكون مستعجلة، وأيضا أحاول أن أتحاشاها حتى لا أسمع منها شيئا يضايقني، فهل أنا آثمة؟ فأنا موسوسة من هذه الناحية.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن البدء بالسلام سنة وليس فرضا، كما عليه أكثر أهل العلم، حيث حملوا الأوامر الواردة فيه علي الندب، وأخذ الحنفية بظاهر الأمر فأوجبوا إلقاء السلام، وهو قول للمالكية والحنابلة ، كما في الموسوعة الفقهية الكويتية.

 ولكن الأولى بك دائما أن تحرصي على ابتداء من لقيت من النساء بالسلام، سواء كنت تعرفينها أم لا، فإن السلام تحية أهل الجنة، كما قال تعالى: وتحيتهم فيها سلام {يونس:10}،
وفي صحيح مسلم أنه قال: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم.

وفي الصحيحين أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله: الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: أولاهما بالله. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وكان الصحابة يحرصون على أن يبدأوا من لقيهم بالسلام، أخرج الطبراني عن الأغر المزني قال: قال لي أبو بكر: لا يسبقك إلى السلام أحد، فكنا إذا طلع الرجل بادرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يغدو إلى السوق ويقول: إنما نغدو من أجل السلام، فنسلم على من لقيناه. رواه مالك في "الموطأ" والبخاري في "الأدب المفرد".

واحرصي كذلك على مصافحة من تسلمين عليهن إن لم تكوني مستعجلة ففي الحديث: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي وصححه الأرناؤوط والألباني.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيصافحه؟ قال: نعم. رواه أحمد والترمذي من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ، وحسنه الألباني.
وروى الطبراني عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا. حسنه الألباني .

  قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لحديث مسلم ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم)

قال ـ رحمه الله تعالي ـ: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أدل أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إنشائه تكمن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار. وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبذل السلام للعالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى، وهي أنها تتضمن: رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به. اهـ
وجاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني (1/ 275): ابتداء السلام ليس بواجب. وذكره ابن عبد البر إجماعا، وظاهر ما نقل عن الظاهرية وجوبه، وذكر الشيخ ـ رضي الله عنه ـ أن ابتداء السلام واجب في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، واعلم أنه ورد في إفشاء السلام وفضائله عدة أحاديث منها ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم، وروى ابن حبان في صحيحه عن البراء ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفشوا السلام تسلموا. وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح عن أبي يوسف عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال كنا إذا كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتفرق بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض، وأخرج في الأوسط بإسناد جيد وقال لا يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بهذا الإسناد عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام، وروى أيضا عن عبد الله بن معقل ـ رضي الله عنه ـ في معاجمه الثلاثة بإسناد جيد قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسرق الناس الذي يسرق صلاته، قيل يا رسول الله وكيف يسرق صلاته؟ قال لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس من بخل بالسلام. وأخرج الإمام أحمد والبزار وإسناد الإمام أحمد لا بأس به عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إن لفلان في حائطي عذقا، وإنه قد آذاني وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: بعني عذقك الذي في حائط فلان، قال لا، قال فهبه لي، قال لا، قال فبعنيه بعذق في الجنة، قال لا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام . وفي الباب أحاديث متعددة. إذا علمت هذا فاعلم أن للسلام عدة فوائد، منها امتثال سنة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد قال: من كان من أمتي فليستن بسنتي. ومنها الخروج من الحرمة على القول بوجوب ابتدائه، وإن كان الصحيح المعتمد عدم الوجوب. ومنها الخروج من البخل وقد ورد أنه لا يدخل جنة عدن بخيل، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي داء أدوى من البخل، والبخيل بغيض إلى الله، بغيض إلى الناس، بعيد من الجنة، حبيب إلى الشيطان، قريب إلى النيران، والجنة دار الأسخياء. ومنها أنه يكون من الأسباب التي تدخل صاحبها الجنة، كما في حديث عبد الله بن سلام، ويوجب دخولها له كما في حديث أبي سرح ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب الجنة، قال طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه. ومنها أن بذله من موجبات المغفرة، فقد روى الطبراني عن أبي سرح بإسناد جيد قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال إن من موجبات المغفرة بذل السلام، وحسن الكلام. ومنها أنه يوجب المحبة بينه وبين إخوانه المسلمين، كما في حديث أبي هريرة المتقدم وغيره. والمحبة شأنها عظيم. وقدرها جسيم، ومدار العالم العلوي والسفلي عليها، وجميع الحركات إنما نشأت عنها، وقد جاء في الحديث عليها عدة أحاديث ذكرت طرفا منها في خاتمة كتابي البحور الزاخرة، ويكفي كونها علما للإيمان والله ولي الإحسان. اهـ

واما من كان لقاؤك بها يخشى منه أن تسمعك ما يسيئك فلا حرج ولا إثم عليك في تحاشي اللقاء بها وتجنبها، بل ولا في هجرها لو تطلب الحال هجرها، فقد  قال ابن عبد البر (رحمه الله): وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد (به) على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة