السؤال
كنت أوظف مالا لبعض الأشخاص، وكنت أدفع عائدا سنويا يعادل 30% لمدة ثماني سنوات، وكانت الأموال بضمان شيكات بنكية، وفي السنة التاسعة حققت خسائر جسيمة، فتوقفت عن سداد العائد انتظارا لتحسن السوق، فقام الدائن باستصدار أحكام بالحبس بالشيكات التي تحت يده مما اضطرني لتوقيع عقد بيع شقة لم تكن اكتمل بناؤها، ونص في عقد البيع على أنه في حالة تراجع أي طرف في إتمام العقد يلتزم بدفع مبلغ من المال كتعويض اتفاقي.
السؤال: هل يحق لى بناء على هذا البند التراجع حيث إن ثمن الشقة أضعاف أضعاف الدين، كما أنني مدين لآخرين، ولن أستطيع السداد للآخرين في حال إتمام البيع الذي تم تحت ضغط الدائن بالأحكام الجنائية مع سداد التعويض الاتفاقي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سألت عن حكم التراجع عن بيع الشقة ولم تسأل عن حكم المعاملة الأولى التي كانت سببا في بيع الشقة، وهي أولى بالاستشكال والاستفصال عنها؛ ولذا سنجيبك عن حكم تلك المعاملة قبل الجواب عما سألت عنه فنقول .
ما ذكرته حول أخذك لبعض الأموال من أشخاص لتستثمرها لهم على أن تدفع لهم عائدا سنويا ثابتا مع ضمان أموالهم كل ذلك محرم، فضمان رأس المال في المضاربة وضمان ربح معلوم أمران يفسد كل واحد منهما عقد المضاربة إن وجد، فكيف بهما إذا اجتمعا، قال ابن قدامة في المغني نقلا عن ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم. انتهى.
فالمضاربة شراكة بين رب المال والعامل أو المستثمر، فرب المال مشارك برأس مال المضاربة، وأنت مشارك بجهدك وخبرتك، ولا بد أن يكون الاتفاق بينكما على أن لكل منكما حصة شائعة في الربح كثلث أو ربع أونصف ونحوه، فإذا حصل ربح فهو بينكما على حسب ما اتفقتما عليه مسبقا، وإن حصلت خسارة فهي من رأس المال، ولا تتحمل أنت منها شيئا، لأنك قد خسرت جهدك ووقتك، فلا معنى لأن تتحمل أيضا خسارة مادية، ولأن يد العامل يد أمانة، وليست يد ضمان إلا إذا تعدى أو فرط، أو قصر في حفظ المال، أو استثماره على الوجه المتعارف عليه بين التجار.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يسأل عنها المضارب إلا إذا تعدى على المال أو قصر في حفظه. اهـ
وورد في مجلة الأحكام العدلية: المادة 1413ـ: المضارب أمين ورأس المال في يده في حكم الوديعة، ومن جهة تصرفه في رأس المال وكيل لرب المال، وإذا ربح يكون شريكا فيه.
وإذا فسد عقد المضاربة فيكون الربح كله لو وجد ربحا لأصحاب الأموال والعامل يستحق أجرة مثله عن عمله على الراجح، أوربح مثله قال في المغني: (الربح جميعه لرب المال، لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئا، ولكن له أجر مثله.)
وفي بدائع الصنائع للكاساني: (وأما حكم المضاربة الفاسدة، إنما له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن.) اهـ
وأما معاملة بيع الشقة التي لا تزال تحت البناء فلم تبين لنا حقيقة العقد، ولماذا شرط الجزاء عند التراجع لأن البيع إذا تم صحيحا فليس لأحد الطرفين فسخه والتراجع عنه إلا برضى الطرف الثاني، وربما كانت المعاملة ليست عقد بيع ناجز ولهذه الاحتمالات فإنه لا يسعنا افتراض جواب عن كل منها، وعليه فلا بد من بيان حقيقة المعاملة والأولى مشافهة أهل العلم بها حيث أنت. وللفائدة انظر الفتويين التالية أرقامهما :34491، 58087.
والله أعلم.