السؤال
ما هي الأدلة الشرعية الدالة على أهمية العلم الدنيوي؟ كما هو معلوم الكفار سبقونا بمئات السنين في هذا العلم، فبعد الرجوع إلى دين الله الحنيف كما في الحديث: "حتى ترجعوا إلى دينكم"، ستكون الحاجة إلى هذا العلم لرفع الذل الذي نعيش الآن فيه، أليس كذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دين الإسلام جامع لمصالح العباد في المعاش والمعاد، وما من خير في الدنيا والآخرة إلا وأمر به وحض عليه، والنصوص التي يمكن أن يستدل بها على ندب الشرع لتعلم العلوم الدنيوية النافعة للأمة كثيرة، منها قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون {الأنفال:60}،
قال الشيخ ابن سعدي: أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي: والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا إن القوة الرمي} ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب .اهـ.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: الحضارة الغربية بالاستقراء التام الذي لا يمكن أن يكابر فيه إلا مكابر جاحد للمحسوس جمعت بين نافع لا مثال لنفعه، وبين ضار لا مثال لضره، أما الذي حصلته من النفع: فهو ما حصلت عليه من التقدم المادي، والتقدم التنظيمي في جميع ميادين الحياة، فهذا الأمر كماء المزن، والتواكل عنه عجز وضعف وتمرد على نظام السماء؛ لأن نظام السماء يأمر المسلم أن يكون قويا متقدما في جميع الميادين العملية، سابحا في جميع الميادين العملية: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: آية 60] هذا الأمر كأنه يقول: أعدوا ما يكون في المستطاع من القوة كائنا ما كان، مهما تطورت القوة، ومهما بلغت، فالمتواكلون العجزة الذين لا يعدون القوة متمردون على نظام السماء، مخالفون لأمر خالق السماوات والأرض: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: آية 63] ومن نظر في القرآن وجده جامعا بين الأمرين: الأمر بالقوة والتقدم، مع المحافظة على الآداب الروحية. اهـ. من العذب النمير .
ومن ذلك : امتنان الله على نبيه داود عليه السلام بتعليمه صنعة دنيوية وهي صناعة الدروع، فقال سبحانه: وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون {الأنبياء:80}،
وقد نص جمع من العلماء على أن تعلم العلوم النافعة التي تتوقف عليها مصالح الأمة أنها من فروض الكفايات التي تجب على الأمة بمجموعها، قال ابن القيم: ومن ذلك: أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة ـ كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك ـ فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك؛ ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي: إن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية، لحاجة الناس إليها .اهـ.
وقد سبق أن بينا ذلك في فتاوى كثيرة ، فانظر الفتوى رقم: 49739، والفتوى رقم: 122837.
فرجوع الأمة الإسلامية إلى دينها يلزم منه أخذها بمجامع العلوم الدنيوية التي تتقوى بها وتقيم بها دين الله في أرضه، وتنظم به مصالح دنياها.
والله أعلم.