السؤال
هل يأثم المسلم إذا كره مسلما آخر كرها شديدا، ولكن فقط في القلب؟ وهل إذا دخلت مكانا فيه أحد من الذين أكرههم، وهو أحد أرحامي، وقلت: السلام عليكم ورحمة الله. وفي نفسي أن هذا السلام لذاك الشخص المذكور، هل أكون قد أنهيت قطيعة الرحم؛ لأني قرأت فتوى في موقعكم أن صلة الرحم تحصل بالسلام فقط؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل عدم بغض وكره المسلم لأي مسلم لما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا... قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله، بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون بينهم، ولا يتباغضون. انتهى.
وينبغي للعبد أن يحكم الشرع في عواطفه، فيحب المسلم بقدر ما عنده من الدين، ويبغضه ويكرهه بقدر ما عنده من الفسوق؛ قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وأما البغض في الله: فهو من أوثق عرى الإيمان، وليس داخلا في النهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شر، فأبغضه عليه، وكان الرجل معذورا فيه في نفس الأمر أثيب المبغض له، وإن عذر أخوه ... وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى، أو الإلف، أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح نفسه، ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه، فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهي عنه من البغض المحرم. انتهى. وقال الأخضري في مقدمته: وعليه أن يحكم الشرع في أموره كلها، فيحب المسلم بقدر ما عنده من الدين.. ويبغضه بقدر ما عنده من الفسوق والعصيان. انتهى.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 139569 خلاف العلماء فيما يقع به قطع الهجر بين المسلمين، وأن أقل ما يتصور هو إلقاء السلام، وأن ذلك كاف لقطع الهجر المحرم عند بعض أهل العلم.
وذكرنا فيها أيضا: أنه يفرق بين الأقارب والأجانب، فإن الأقارب لا يقف الأمر فيهم مع مجرد قطع الهجر، بل هم مأمورون بالصلة. قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): واختلفوا: هل ينقطع الهجران بالسلام؟ انتهى.
وذكر القولين السابقين ثم قال: وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب، فقال في الأجانب: تزول الهجرة بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب. وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم. انتهى.
وعلى هذا؛ فما ذكرته من مجرد السلام على قريبك في مجمع من الناس غير كاف، بل عليك أن تصله.
والله أعلم.