السؤال
أحببت أن أسأل عن حكم جروبات الواتساب التي تحدد ذكرا محددا كل يوم، ويتفق أعضاء الجروب على قوله مئة مرة مثلا، مثل: (اليوم نقول الحمد لله 100 مرة، وغدا نقول الله أكبر 100 مرة)، أو مثلا بتحديد جزئية من القرآن لتلاوتها، ومن ينتهي يخبر بأنه انتهى، ربما من باب التنافس الطيب و المعاونة على ذكر الله، هل هذه الطريقة بدعة؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الدلالة على الخير والتذكير به أمر محمود، إلا أن ذلك متوقف على العمل، هل هو في نفسه خير أم لا؟ فالعمل لا يكون خيرا ما لم يكن على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وتحديد أذكار معينة بعدد معين يأتي به كل واحد من الحاضرين المجتمعين في الحلقة لم يعهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل استنكره الصحابة رضوان الله عليهم، منهم أبو موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما.
وذلك كما روى الدارمي ـ رحمه الله ـ في سننه: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي، يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا بعد، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر ـ والحمد لله ـ إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة!. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة ـ راوي الأثر وهو جد عمرو بن يحيى ـ: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج. انتهى.
وهذا إذا ما لم يرد دليل على تخصيص ذكر معين بعدد معين، بخلاف ما إذا ذكر بالذكر مطلقا، كقوله: سبحوا الله، أو احمدوا الله، أو صلوا على النبي، ونحو ذلك مطلقا دون تقييد بعدد معين يطلب، أو ما ورد في عدده فضل منصوص. وقد فصلنا القول في ذلك كما في الفتاوى الآتية أرقامها: 69307، 123015، 124100، فراجعيها للفائدة.
وكذلك اتفاق الحلقة أو المجموعة على أن من انتهى من العمل المحدد يخبر الآخرين، فإن هذا وإن كان الفاعل قد يفعله رغبة في حث غيره، إلا أنه قد يحمل الغير على فعله حياء من أن يقال: لم يفعل، فتكون مفسدة ذلك عليه أعظم من منفعته المرجوة، لما فيه من احتمال حبوط العمل الذي فعله من غير إخلاص لله، مع تحصيل إثم الرياء، وضم شرك أصغر إلى بدعة ولو افترض أنك تعلمين إخلاصك في نفسك، إلا أنك لا تدرين ما تحملين غيرك عليه حياء منك.
ولذلك كان شرط قبول العمل الصالح: أن يكون على السنة وأن يكون خالصا لله، كما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، قال: [أخلصه وأصوبه... إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا. والخالص إذا كان لله ـ عز وجل ـ، والصواب إذا كان على السنة]. اهـ.
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": [وقد دل على هذا الذي قاله الفضيل قول الله -عز وجل-: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}].
وقال: [وإنما يتم ذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنة، وهذا هو الذي تضمنه حديث عائشة: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.
والثاني: أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله ـ عز وجل ـ، كما تضمنه حديث عمر: الأعمال بالنيات]. انتهى.
والذي نرشدكم إليه هو أن يكون المنشور في هذه المجموعة أحاديث الفضائل، كالأحاديث الواردة فضائل الآيات والسور، وفي فضل لا إله إلا الله، وكقوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. متفق عليه. وكقوله صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. متفق عليه. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. رواه مسلم. ومن هذا الباب في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يكاد يحصى، على أن يكون من باب التذكير والحث عموما، لا من باب الترصد لمن عمل ومن لم يعمل.
وهذا أفضل مما ذكرت من كل وجه، فإن في هذا جمعا بين تعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ونشر العلم والتبليغ عنه ولو بآية، وبين العمل بمقتضاه، وتحصيل المطلوب، مع ما فيه من الخلوص من شائبة البدعة والرياء إذا عمل بما فيه. فالأجر في ذلك أعظم بكثير من الذي تتصورينه وترجينه من ذلك الفعل المنكر.
جعلنا الله وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات كما يحبه الله ويرضاه.
والله أعلم.