الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإشارة إلى السماء بقُبلة عند حمد الله بدعة

السؤال

عادة عندما أفرح أحمد الله على نعمته، وأقول: الحمد لله، وأنظر إلى السماء، وأرسل قُبلة للسماء، يعني أنها تعظيم لله، وشكر له.
فهل يجوز هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحمد الله على نعمه مطلوب شرعًا، ففي حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَسُرُّهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»، وَإِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَكْرَهُهُ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ». رواه ابن ماجه، والحاكم.

ولا حرج في رفع البصر إلى السماء عند حمد الله تعالى، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يرفع بصره إلى السماء، كما في صحيح مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ في حديث وهو يصف النبي -صلى الله عليه وسلم-: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. رواه مسلم.

وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- رفع بصره إلى السماء في مناسبات عديدة، ويذكر الله تعالى ويدعوه، ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى»، وفي لفظ مسلم: «اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى».

وفي سنن أبي داوود عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ، قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ... إلخ الحديث.

وفي مسند أحمد من حديث ابن عباس في قصة مبيته مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيامه للصلاة في الليل، وفيه: فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164]، حَتَّى بَلَغَ: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

وفي حديث آخر: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟». رواه الطبراني، والبيهقي.

وفي قصة إمامة أبي بكر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- جاء فيها: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَحَمِدَ اللهَ. اهـ.

قال الحافظ في الفتح: فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ شُكْرًا لله. اهـ.

وفي حديث آخر عند الطبراني في المعجم الكبير عن بِلَالٍ، وعَنْ جَرِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ مَاذَا يُرْسَلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفِتَنِ إِرْسَالَ الْقَطْرِ».

والأحاديث في هذا كثيرة.

وأما الإشارة إلى السماء بقُبلة فهذا لم يرد به الشرع فيما نعلم، والتعبد بهذا بدعة في الدين فيما نرى. وإذا انتشر مثل هذا الفعل بين الناس صار ديناً يدينون به، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد. متفق عليه.

وفي لفظ لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات... وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني