السؤال
هل يجوز وأنا في مدة وجودي في مكة المكرمة لأداء العمرة، أن أعمل عمرة بالإنابة من قبل أشخاص موثوق بهم من الجهات الخيرية، من مكة المكرمة، للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الكرام كل على حدة، ومن مالي الخاص؟
هل يجوز وأنا في مدة وجودي في مكة المكرمة لأداء العمرة، أن أعمل عمرة بالإنابة من قبل أشخاص موثوق بهم من الجهات الخيرية، من مكة المكرمة، للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الكرام كل على حدة، ومن مالي الخاص؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فأما الاعتمار عن النبي صلى الله عليه وسلم: فاعلمي أن الفقهاء مختلفون في جواز إهداء ثواب الأعمال الصالحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام النووي في المنهاج: وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
1) فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه، وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وسؤال الوسيلة، قال الزركشي: ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء له بالرحمة، وإن كانت بمعنى الصلاة؛ لما في الصلاة من معنى التعظيم، بخلاف الرحمة المجردة.
2) وجوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة بعد موته من غير وصية. وحكى الغزالي في الإحياء عن علي بن الموفق -وكان من طبقة الجنيد- أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججا، وعدها الفقاعي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك. اهـ.
وقد بينا في الفتوى رقم: 141559 أننا لم نقف على إسناد قصة اعتمار ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نظفر بها فيما بين أيدينا من كتب السنة، ودواوينها فالله أعلم بصحتها، فينظر فيها، فإن صحت، فإنه يصلح الاحتجاج بها، ويكون الاعتمار عنه صلى الله عليه وسلم مشروعا لفعل أحد الصحابة له، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى إهداء الثواب له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يثاب على كل عمل صالح نقوم به، سواء كان عمرة أو غيرها، ويصل إليه ثواب العمل تلقائيا؛ لأنه هو الذي دلنا عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: أما إهداء ثواب العبادات إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن هذا أيضا من البدع، فإنه لا يشرع لنا أن نهدي شيئا من ثواب العبادات إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك لم يعهد من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أشد منا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسرع منا إلى الخير, ومع ذلك فلم يهد أبو بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا علي - رضي الله عنهم - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من العبادات, لا من قراءة القرآن, ولا من الذكر, ولا من الصلاة, ولا من الصدقة, ولا من الحج, ولا من العمرة ... اهـــ .
وأما الاعتمار عن بعض الصحابة: فإنه يجري فيه كلام الفقهاء في الاعتمار عن الميت، وقد بينا في الفتوى رقم: 69673 جوازه، وأن الراجح انتفاع الميت بالاعتمار عنه، فلا حرج في ذلك.
والله أعلم.