السؤال
ما حكم التحاق المرأة بمعهد السينما للتمثيل، أو معهد الفنون المسرحية؛ لصقل موهبتها في التمثيل، للتمثيل فيما بعد؟
وما هي النصيحة التي توجهونها لكل امرأة تريد أن تكون ممثلة لتكسب المال، وحب الجماهير، والشهرة؛ فيرضى الله عنها، برضا الناس عنها؟! لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. البخاري(3209)، مسلم(2637).
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تقوم بالتمثيل أمام الرجال الأجانب، فضلا عن امتهان هذه المهنة المحفوفة بالمحاذير، والمخاطر. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 23422، 80664، 30809.
وقد تناول هذه المسألة بالتفصيل الباحث محمد بن موسى الدالي في رسالته للماجستير: (أحكام فن التمثيل في الفقه الإسلامي)
وقال (ص 553): هذه المسألة يتجاذبها ثلاثة أصول من أصول الشريعة، ولابد من تحريرها، وبيان كلام أهل العلم فيها:
الأول: أن الشريعة الإسلامية جاءت بأمر المرأة بالاحتشام والتستر. وظهورها على الشاشات ينافي ذلك الغرض؛ لما في التبرج والسفور من مخاطر عظيمة.
الثاني: أن الشريعة الإسلامية أمرت الرجال بغض البصر وحفظه إلا عن أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، ومحارمهم بشروط معروفة.
الثالث: أن المرأة مأمورة بحفظ صوتها، وألا تخضع بالقول؛ لما في ذلك من الفتنة. اهـ.
ثم فصل في ذلك، وذكر أدلته من الكتاب، والسنة، والعقل.
ثم قال (ص 566): اتضح بعد هذا البيان، وبعد ما سقته من أدلة تمنع المرأة من السفور والتبرج، والاختلاط، كما أفادت هذه النصوص تحريم نظر الرجال إليهن، واستنادا إلى قاعدة الشرع في سد الذرائع، وحسم مادة الفساد، يتضح أن الواجب على المرأة ألا تظهر على شاشات التلفاز، أو السينما، أو المسرح، وأن المشاركة في الأعمال التمثيلية حرام عليها؛ لما في ذلك من الشر، والفساد العظيم، والمطالع لأحوال أرباب هذه الفنون، يعرف ذلك.
وعلى تقدير السلامة من ذلك؛ فإن القول بالجواز، يوجب الوقوع في الاختلاط بينهن مع الرجال، إما لأداء المشاهد، أو لحفظ السناريو والحوار، وقد يتطلب الخلوة بين رجل وامرأة، فعلى تقدير التزام المرأة بالحجاب الكامل، لا يمكن أن يخلو الأمر من تلك المحاذير، كما إنه ليس ثم حاجة داعية إلى ذلك، بل يمكن الاستعاضة عن ذلك بحكايته .. اهـ.
وأما مسألة الكسب من وراء ذلك، فحكمه فرع للعمل ذاته، فالعمل المحرم أجرته حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء، حرم ثمنه. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
وأما مسألة الشهرة، فينبغي أن يعلم أولا أن حبها وطلبها، والسعي وراءها، مذموم في الأصل، وله مخاطر ومحاذير سبق لنا الإشارة إليها في الفتوى رقم: 25568.
وهذا إن كانت شهرة في الخير، وأما الشهرة في الشر، وعمل المعاصي، فوبالها كبير، وإثمها عظيم. وعندئذ لا يصح أن يستشهد بالجزء المذكور في السؤال من حديث: " إذا أحب الله العبد .." بل الأليق بذلك بقية الحديث؛ فإن تمامه: وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا، فأبغضه؛ فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه؛ فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض. رواه مسلم.
وهنا لا بد من التنبيه على أن المحبة، والقبول المذكور في هذا الحديث، محله أهل الحق من أولياء الله وعباده الصالحين.
قال ابن هبيرة في (الإفصاح عن معاني الصحاح): (ثم يوضع له القبول في الأرض): يعني أنه يقبله أهل الحق الذين يقبلون أمر الله سبحانه، وإنما يحب أولياء الله من يحب الله. فأما من يبغض الحق من أهل الأرض، ويشنأ الإسلام والدين؛ فإنه يريد لكل ولي لله محبوب عند الله مقتا وبغضا. اهـ.
وقال العيني في (عمدة القاري): قيل: يوضع له القبول في الأرض عند الصالحين، ليس عند جميع الخلق. اهـ.
وقال فيصل المبارك في (تطريز رياض الصالحين): المراد بالقبول: الحب للعبد في قلوب أهل الدين والخير. اهـ.
والمقصود أن المعاصي لا تستجلب محبة الصالحين التي هي علامة من علامات حب الله تعالى، وإنما تستجلب محبة الفاسدين الذين تدل محبتهم على الانحراف، والغي.
والله أعلم.