حكم طلب الزوجة الطلاق لانعدام الحب والوفاق

0 197

السؤال

أنا متزوجة منذ عام وثلاثة أشهر. تزوجنا أنا وزوجي ليس عن حب، ولا اقتناع، بل لأنه فقير جدا، وأنا غنية؛ ولأنني كنت بحاجة ماسة لرجل بجانبي.
قبل الزواج لم يبد لهفة علي إلا قليلا، وهو غير موظف، وأنا موظفة، وهو لا يعمل.
وهناك شيء آخر أنه طويل، وأنا قصيرة.
على ضوء هذين الشيئين كل حياتي، مهما تكلمت معه بطريقة جيدة، يفهم كلامي على أنه إساءة وإهانة له، لا يعمل ...وأنا أفهم كلامه على أنه إهانة لي أنني قصيرة. لكني أدركت مع الوقت أنه بعد الزواج لم يحبني، ولم نتفق على شيء إلا فيما ندر، حتى في العلاقة الزوجية لا يريد إشباع نفسه عن طريقي، ويحرم نفسه.
أشعر الآن أن الحل الوحيد هو الطلاق.
أريد الكلام عني.
لقد بررت أمي طيلة حياتي، كانت مريضة، وخدمتها، ونظفت الفضلات من تحتها. وعندما أطعت أبي في أمور الزواج، خسرت، وتبين لي أنني فعلت الشيء الخطأ فقط لأنني اعتقدت أنني سأطيعه، وهو لم ير هذا أساسا.
لم لم يفدني بر الوالدين في حياتي؟
تكاد تنهار ثقتي بالله بعد الزواج؛ فقد دعوت كثيرا جدا، وكان الجميع يقولون لي ستتزوجين أفضل زواج بسبب حسن برك، وكرمي مع أمي بالمال.
أرجوكم، أرجوكم أفيدوني.
تعبت من شدة التحليلات، والتفكير إن كان حسدا أم غضبا، أم ضعف إيمان. لم أعد أعرف شيئا أبدا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد أحسنت ببرك بوالديك، فهما بابان للمسلم يلج من خلالهما إلى الجنة، نسأل الله تعالى أن يثبت لك الأجر، وراجعي في فضل بر الوالدين الفتوى رقم: 58735.

 ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن هذا البر ليس تفضلا من الولد على أبويه، وإنما هو حق لهما عليه، فهما سبب وجوده في الدنيا، وتعبا وسهرا من أجله. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى لا يجوز للمسلم أن يمتن على ربه بعمل صالح عمله، فلولا توفيق الله تعالى، لم يتيسر له القيام به، قال سبحانه: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين {الحجرات:17}، وقال أيضا: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم {النور:21}، فكوني على حذر من سلوك هذا السبيل؛ فإنه محبط للثواب.

 فما حدث لك من مشاكل في حياتك الزوجية، ينبغي أن تنظري إليه بعيدا عن تلك الخيالات، والوساوس الشيطانية التي توقعك في سوء الظن بربك، ولا شك في أن الله عز وجل له الحكمة البالغة في أفعاله، فهو يبتلي عباده، ومن كان أكثر صلاحا كان أشد ابتلاء، فالأنبياء وهم أفضل البشر ابتلوا، وخاصة خيرهم، وأفضلهم نبينا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين {الأنعام:34}، وفي مسند أحمد عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، حتى يبتلى العبد على قدر دينه ذاك. فإن كان صلب الدين ابتلي على قدر ذاك...الحديث.

وكل ما يقضي الرب تعالى لعبده المؤمن، فهو خير له، فإنه يشكر في السراء، ويصبر في الضراء، فترفع له الدرجات، وتكفر عنه الذنوب والسيئات. ولمزيد الفائدة عن فضل الصبر راجعي الفتوى رقم: 18103.

واعلمي أن الدين والخلق هما الأساس في الحياة الزوجية، فبهما يتواد الزوجان، وعلى أساسهما يتراحمان، ومن منطلقهما يكونان حياة زوجية سعيدة، والفوارق المادية ليست بمانع من ذلك شرعا، ولا عادة، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو اليتيم الفقير، من خديجة -رضي الله عنها- المرأة الغنية، فكانت خير عون له في حياته. وتزوج عليه الصلاة والسلام، وهو الربعة: ليس بالطويل، ولا القصير، من صفية -رضي الله عنها- وكانت قصيرة.

ووجود الحب بين الزوجين أمر مهم، ولكنه ليس بلازم، نعني أن الحياة الزوجية يمكن أن تدوم بدونه، هذا بالإضافة إلى أن حسن العشرة بين الزوجين يمكن أن يكسبهما محبة أحدهما للآخر، وقد ورد في الأثر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده صاحب كتاب كنز العمال.
 فالنصيحة أن تجتهدا في إبعاد الشيطان من حياتكما، فإنه يعمل ليل نهار على تشتيت شمل الأسر، وزرع الفتنة بين الناس، روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة، أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال - فيدنيه منه ويقول: نعم أنت.

وننبه إلى أن من حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها، وأن يشبع غريزتها، وأن ينفق عليها، فالنفقة واجبة عليه لا عليها. وللمزيد عن حقوق الزوجية راجعي الفتوى رقم: 27662.

وإذا أعانت المرأة زوجها، فأنفقت، كان ذلك دليلا على كريم أصلها، وحسن خلقها. وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 160459.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات