السؤال
أريد أن أسأل عن صحة موضوع وجدته في المنتديات ومعه قول لابن جبرين ـ رحمه الله ـ فهل صحيح هذا الموضوع: في الذئب خاصيتان:
أولا: أنه إذا وقعت عينه على جني، فإنه لا يحول عنه بصره، بل يثبت نظره عليه بشكل تام، ولو فصل بينهما واد لدار الذئب حوله من جهة ألا يجعل هذا الجني الذي رصده بنظره يغيب عن عينه لحظة واحدة بسبب واد أو شجرة أو عازل بينهما، بل يجتنب كل مانع عن الرؤية، والسر في ذلك أن الأرواح الجنية يقيدها النظر، فلا تستطيع الانصراف مادام النظر متعلقا بها، ويعرف ذلك من اشتغل بالتحضير وتظاهر له الجن، فإن الجني لا ينصرف مادام النظر معلقا به، وأحيانا يصور لك صورة وهمية بأنه يتحرك من مكانه إلى جهة من الغرفة، فإذا أتبعته نظرك اختفى وانصرف، وإذا ثبتت نظرك على المكان الذي خرج منه فسرعان ما تتلاشى الصورة التي أوهمك بها وتراه في نفس المحل... إذا فالنظر يقيدهم.
ثانيا: الأرواح عموما سواء كانت ملائكة أو جنا.. تكون هناك خاصية في موطئ قدمها على الأرض، فبالنسبة للجن.. ولو كان متشكلا في صورة إنسي بلحم ودم.. ووقع في نفسك أنه جني .. فضع قدمك مكان موضع قدمه على أثر خطواته، فإنه يتسمر في مكانه ولا يعدوه، والذئب يطلب ذلك في عدوه وراء الجني، وإلا فالجني أسرع منه يقينا، إلا أنه يسمره في مكانه من هذين الطريقين، وبالنسبة لأكل الذئب للجن، فهذا هو الموضوع الأهم، كثير من الناس يعتقدون أن الجن لا يستطيعون التمثل بالذئب ويخافون من رائحته، وأنه مسلط عليهم فيفترسهم في حالة مواجهتهم، فهل هذا صحيح؟ دعونا نرى رأي العلماء في ذلك: هم يؤيدون أكل الذئب للجن، وتفسيرهم لذلك: هو أن للذئب قدرة خارقة على قهر الجان وأن هذه القدرة تتمثل في عينه التي لا تفقد بريقها حتى بعد موته، فعينه تلك التي لا ترمش حتى أثناء نومه، وراء كل ذلك
هم لا يمتلكون دليلا على أنه يستطيع أكل الجن مباشرة إن كان الجن في حالته الطبيعية، ويؤكدون أنه يستطيع أكله إذا كان علي هيئة إنسان أو حيوان، فماذا عن رأي علماء الدين: هذا قول فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ـ حفظه الله ـ هكذا سمعنا من كثير من الناس وذلك ممكن فقد ذكر لي من أثق به أن امرأة كانت مصابة بالمس، وأن الجني الذي يلابسها كان يخرج أحيانا ويحادثها وهي لا تراه، ويجلس في حجرها وهي تحس به، وفي إحدى المرات كانت في البرية عند غنمها وفجأة خرج ذئب عابر، فوثب الجني من حجرها ورأت الذئب يطارده ورأته وقف في مكان ما، وبعد ذهاب الذئب جاءت إلى موضعه فرأت قطرة من دم، وبعد ذلك فقدت ذلك الجني، وتحققت أنه أكله الذئب، وهناك وهناك قصص أخرى، فلا مانع من أن الله أعطى الذئب قوة الشم لجنس الجن أو قوة النظر، فيبصرهم وإن كان البشر لا يبصرونهم، فلعلهم بذلك لا يتمثلون بالذئب ويخافون من رائحته، فليس ذلك ببعيد... أي أنهم يؤيدون ذلك... هذا ما توصلت إليه خلال بحثي: إذا تمثل الجن في صورة غير صورته الحقيقية وتمكن منه الإنس بالإمساك به وقيدوه فهم يستطيعون أن يحبسوه في هذه الصورة إلى الأبد.... وكما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أمسك بواحد منهم وقال: إنه أوشك أن يقيده إلى سارية المسجد ليلعب به صبيان المدينة، ولكنه صلى الله عليه وسلم أطلقه حتى لا يصير واجبا علينا كمسلمين الإمساك بهم ـ أعاذنا الله وإياكم ـ فإذا كان هذا من قدرة البشر فمابالك لو التقى الذئب عدو الجنسين بجني على غير صورته النارية، فهل هذا صحيح؟ وهل قول بن جبرين يدل عليه؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر من تأثير الذئاب على الجن لا نعلم ما يثبته شرعا، وكذلك من جهة الواقع والتجربة لا نعلم ما يثبت ذلك، وقد ذهب بعض العلماء إلى الجزم بنفي ذلك، وتكذيبه، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: أنهم سئلوا عن شم جلد الذئب من قبل المريض، بدعوى أن يفصح عن وجود جان أو عدمه، إذ إن الجان ـ بزعمهم ـ يخاف من الذئب وينفر منه، ويضطرب عند الإحساس بوجوده ـ وجاء في الجواب: استعمال الراقي لجلد الذئب ليشمه المصاب حتى يعرف أنه مصاب بالجنون، عمل لا يجوز، لأنه نوع من الشعوذة والاعتقاد الفاسد، فيجب منعه بتاتا، وقولهم: إن الجني يخاف من الذئب خرافة لا أصل لها. اهـ.
وأما الشيخ عبد الله بن جبرين: فقد ذكر إمكان ذلك، ولم يجزم بثبوته، ولا بنفيه، فقد سئل ـ كما في موقعه على الشبكة: يعتقد كثير من الناس أن الجن لا يستطيعون التمثل بالذئب ويخافون من رائحته، وأنه مسلط عليهم فيفترسهم في حالة مواجهتهم، ولذا يعمد كثير من الناس إلى الحصول على شيء من أثر الذئب، كجلده أو نابه أو شعره، والاحتفاظ به لإبعاد الجن، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وما حكم من يفعلون هذه الأمور؟ فأجاب: هكذا سمعنا من كثير من الناس، وذلك ممكن، فقد ذكر لي من أثق به أن امرأة كانت مصابة بالمس، وأن الجني الذي يلابسها كان يخرج أحيانا ويحادثها وهي لا تراه، ويجلس في حجرها وهي تحس به، ففي إحدى المرات كانت في البرية عند غنمها، ففجأة خرج ذئب عابر فوثب الجني من حجرها ورأت الذئب يطارده ورأته وقف في مكان، فبعد ذهاب الذئب جاءت إلى موضعه فرأت قطرة من دم وبعد ذلك فقدت ذلك الجني وتحققت أنه أكله الذئب، وهناك قصص أخرى، فلا مانع من أن الله أعطى الذئب قوة الشم لجنس الجن، أو قوة النظر فيبصرهم، وإن كان البشر لا يبصرهم، فلعلهم بذلك لا يتمثلون بالذئب ويخافون من رائحته فليس ذلك ببعيد، وأما الاحتفاظ بجلد الذئب أو نابه أو شعره واعتقاد أن ذلك ينفر الجن من ذلك المكان: فلا أعرف ذلك، ولا أظنه صحيحا، وأخاف أن يحمل ذلك عامة الجهلة على الاعتقاد في ذلك الناب ونحوه، وأنه يحرس ويحفظ، كما يعتقدون في التمائم والحروز. اهـ.
وسئل أيضا: هناك من يعطي المصاب بالصرع جلد ذئب، فإذا شمه خرج الجن أو مات فما حكمه؟ فأجاب: لا أرى ذلك سائغا، ولا أظنه مفيدا، وإن لم أكن على يقين، وقد ذكر لنا أن الجن يهربون من الذئاب، بل إن الذئب يبصر الجن إذا خرجوا على الأرض، ويطارد أحدهم حتى يفترسه، ولشهرة ذلك عند العامة، وكثرة الوقائع التي تنقل فيه، لا أقول: إنه مستحيل، فإن الجن إنما حجبوا عن أنظار البشر في قوله تعالى: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ـ فنحن لا نبصر الجن، لأنهم من عالم الأرواح، وهي خلق لا نعرف كيفيته، لكن نعلم أنهم يلابسون الإنسان ويغلبون على روحه، وأن المصاب بالصرع إذا ضرب أو صفع لا يتألم إلا الجن الذي لابسه، بل إنه ينطق على لسانه ويتغلب على حركاته، والعلاج الصحيح للمصروع هو الرقية بكلام الله وبالأدعية المأثورة، فإنه يضيق بذلك ذرعا، سيما إذا كان القارئ من أهل الورع والاستقامة والتمسك بالسنة ومعرفة الآيات التي لها تأثير في إخراج الجن وتضرره، وهناك أناس اشتهروا بعلاج الصرع والقراءة على المصابين به، بحيث إذا خرج القارئ سقط المصروع فرقا منه، وهناك علاج بغير القراءة، من أدوية وأشربة وأشياء تؤثر في خروج الجان أو موته، لا بأس بها إذا لم تشتمل على ما لا يجوز شرعا، وإذا جرب جلد الذئب ونحوه من أجزائه، وصار له تأثير في تأذي الجان أو خروجه ونحو ذلك أصبح من الأدوية المباحة، حيث لا محذور فيه فهو دواء معروف، وليس فيه سحر ولا استخدام جن ونحو ذلك مما يفعله الكهنة وغيرهم. اهـ.
والخلاصة: أن الشيخ ابن جبرين لم يجزم بشيء بخصوص هذا الموضوع، أما نحن: فلا علم لنا بهذا كله، ولا نرى التعويل على شيء منه من الناحية الشرعية، لعدم ما يثبته شرعا، ولما يكتنف عالم الجن من الغموض وعدم القدرة على الوقوف على حقيقته، ولما قد يترتب على اعتبار ذلك من اللهث وراء الخرافات والوقوع في الشركيات غالبا، هذا وننبه أنه لا شيء أنفع ولا أدفع للجن مما شرعه الله تعالى من الأذكار والتحصينات، وللفائدة يمكن مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 40302، 80694، 142183.
والله أعلم.