الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى الرحمة لأمكم، وأن يحسن عزاءكم فيها، ثم إنك لم تبيني لنا حالة الأم هل هي موسرة ذات مال أم لا؟ فإن كانت موسرة، فكان يجب عليها قضاء الدين، ولو كان الابن عاقا أو مبذرا، وإن ماتت قبل القضاء وجب إخراج الدين من مالها قبل القسم على الورثة، لقوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما {النساء:11}.
فالورثة لا يستحقون شيئا من مال مورثهم إلا بعد قضاء ديونه ولو أتى الدين على جميع ماله، ولهذا كان من واجبكم أن تقضوا عن تلك الأم المتوفاة ديونها مما تركت من المال، وأن تبادروا بذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه الترمذي.
وأما إن كانت فقيرة ولم تترك ما يفي بدينها: فلا يجب قضاء دينها، كما قال ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ في المغني: فإن لم يخلف تركة، لم يلزم الوارث بشيء، لأنه لا يلزمه أداء دينه إذا كان حيا مفلسا، كذلك إذا كان ميتا. انتهى.
ولكنه يستحب استحابا أكيدا للأبناء والبنات أن يبادروا بتسديد الدين، لأن هذا من أعظم البر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال نفس ابن آدم معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه الترمذي وأحمد، واللفظ له.
والمعنى كما قال السيوطي: أي محبوسة عن مقامها الكريم، وقال العراقي: أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا. انتهى.
وأما عن حكم ما فعلته الأم: فإن كانت محتاجة، فلها أن تأخذ من مال ابنها بقدر حاجتها، لأنه يجب على الأبناء برها والنفقة عليها بقدر طاقتهم، كما سبق في الفتوى رقم: 165067.
ويجبر على الانفاق من أبى إن كان عنده ما ينفق به عليها، قال في المغني: ويجبر الرجل على نفقة والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم. انتهى.
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
فإن كان هذا الولد لا ينفق على أمه النفقة الواجبة فلها أن تأخذ من ماله لحاجتها، لما في الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور {الشورى:49} فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة.
وفي سنن أبي داود عن عمارة بن عمير، عن عمته: أنها سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه. صححه الألباني.
وسئل الشيخ صالح الفوزان: سمعت من بعض النساء بأن للأم أن تسبي ابنها سبع سبيات ـ أي: تأخذ من ماله بدون علمه ـ فما مدى صحة هذا القول؟ فأجاب: للوالد أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم ـ وقوله: أنت ومالك لأبيك ـ وهذا في حق الأب لا شك فيه وكذلك في حق الأم، لأنها كالأب على الصحيح، تأخذ من مال ولدها ما تنتفع به، وتسد به حاجتها، ما لم يكن بذلك إضرار على الولد، أو أن تتعلق به حاجة الولد. اهـ.
وأما عن الرؤيا: فليس من اختصاصنا تعبيرها، ولكن المعروف عند أهل العلم أن الرؤيا لا يجب بها ما ليس واجبا، فإن كانت الأم أخذت من مال ابنها لحاجتها، فلا يجب عليها أن تقضيه.
والله أعلم.