السؤال
مامعنى حديث: يسروا ولاتعسروا وبشروا ولا تنفروا؟ وما هو التيسير المقصود؟ هل هو بترك بعض الأوامر والنواهي؟
أفيدونا. جزاكم الله كل خير.
مامعنى حديث: يسروا ولاتعسروا وبشروا ولا تنفروا؟ وما هو التيسير المقصود؟ هل هو بترك بعض الأوامر والنواهي؟
أفيدونا. جزاكم الله كل خير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التيسير يشمل ما سهل فيه الشارع ورخص فيه من التخفيف في بعض الواجبات عند العجز كصلاة القاعد كما يشمل التيسير فيما لم يجب والتيسير في التعامل مع الناس، فقد جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 302): قال الطبري: ومعنى قوله: (يسروا ولا تعسروا) فيما كان من نوافل الخير دون ما كان فرضا من الله، وفيما خفف الله عمله من فرائضه في حال العذر كالصلاة قاعدا في حال العجز عن القيام، وكالإفطار في رمضان في السفر والمرض وشبه ذلك فيما رخص الله فيه لعباده، وأمر بالتيسير في النوافل والإتيان بما لم يكن شاقا ولا فادحا خشية الملل لها ورفضها، وذلك أن أفضل العمل إلى الله أدومه وإن قل، وقال عليه السلام لبعض أصحابه: (لا تكن كفلان كان يقوم الليل فتركه). اهـ
وقال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2421): (ويسروا) أي سهلوا عليهم الأمور من أخذ الزكاة باللطف بهم، (ولا تعسروا) أي بالصعوبة عليهم; بأن تأخذوا أكثر مما يجب عليهم، أو أحسن منه، أو بتتبع عوراتهم وتجسس حالاتهم. اهـ
وفي شرح رياض الصالحين للعلامة الشيخ ابن عثيمين (3/ 587): (يسروا) يعني اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة، سواء كان فيما يتعلق بأعمالكم أو معاملاتكم مع غيركم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
فاختر الأيسر لك في كل أحوالك، في العبادات، في المعاملات مع الناس، في كل شيء؛ لأن اليسر هو الذي يريده الله عز وجل منا، ويريده بنا: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر {البقرة:185}، فمثلا إذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك والثاني سهل، فالأفضل أن تسلك الأسهل، وإذا كان هناك ماءان وأنت في الشتاء، وكان أحدهما بارد يؤلمك والثاني ساخن ترتاح له، فالأفضل أن تستعمل الساخن، لأنه أيسر وأسهل، وإذا كان يمكن أن تحج على سيارة أو تحج على بعير والسيارة أسهل، فالحج على السيارة أفضل.
فالمهم أنه كل ما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثما؛ لأن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتى إلا بمشقة، وهذه المشقة لا تسقطها عنك ففعلتها على مشقة، فهذا أجر يزداد لك، فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا، لكن كون الإنسان يذهب إلى الأصعب مع إمكان الأسهل هذا خلاف الأفضل، فالأفضل اتباع الأسهل في كل شيء.
وانظر إلى الصوم، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، وفي حديث آخر (وأخروا السحور) لماذا؟ لأن تأخير السحور أقوى على الصوم مما لو تقدم، والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النفس لا سيما مع طول النهار وشدة الظمأ، فهذا وغيره من الشواهد يدل على أن الأيسر أفضل، فأنت يسر على نفسك.
كذلك أيضا في مزاولة الأعمال إذا رأيت أنك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود، فلا تتعب نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللازم وأنت لا تحتاج إليها؛ فافعل ما هو أسهل في كل شيء، وهذه قاعدة: أن اتباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنفس والأفضل عند الله.
(ولا تعسروا) يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عبادتكم، ولا في معاملاتكم، ولا في غير ذلك، فإن هذا منهي عنه فلا تعسر، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس، سأل عنه، قالوا يا رسول الله، هو صائم، نذر أن يصوم ويقف في الشمس، فنهاه وقال له لا تقف في الشمس؛ لأن هذا فيه عسر على الإنسان ومشقة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لا تعسر. اهـ
وبهذا تعلم أن التيسير لا يكون بترك الأوامر أو بفعل النواهي، إلا أن توجد رخصة شرعية في ذلك كترك الصوم في السفر، وعدم القيام في الفريضة للعذر.
والله أعلم.