السؤال
يا شيخ عندي موضوع يخص أبنائي، وأنا في حيرة من أمري، وسأحكي لك قصتي بالتفصيل.
أولا: تزوجت من رجل ثري وغني دخله سنويا نحو مليون ريال تقريبا إيجارات فقط، اسمه فلحان العتيبي من غير أملاكه وأبراجه التي في مكة، وأنجبت منه ابنا وثلاث بنات، ثم طلقت منه، ثم توفي رحمه الله وورث أبنائي منه خيرا كثيرا ولله الحمد، وتملكوا المنازل والسيارات والخدم وحالهم بنعمة.
ثانيا: تزوجت بعدها من رجل اخر اسمه عبد الله الزهراني ميسور الحال وأنجبت منه ولدان، ثم توفي بعدها رحمه الله، وورث أبنائي منه الشيء الميسور، وأتاني نصيبي منه ما يقارب ... ألف ريال وعندي استراحة.
السؤال يا شيخ: أولادي الزهارين وأنا ساكنون ببيت ورثة يشاركنا فيه أبناء زوجي الذين من الزهراني، وأعطيت أبنائي نصيبا من المال فوق الذي ورثوه من أبيهم الزهراني لكي يشتروا به قطعة أرض لأني رفقت بحالهم ولكي أؤمن لهم مستقبلهم، ولكن يا شيخ حاججني أولادي الذين من العتيبي وقالوا لماذا تعطينهم ولا تعطيننا، فقلت لهم: أنتم في خير ونعمة وحالكم حسن نحن بحاجة أن تعطوننا وإخوتكم ليس لهم حتى منزل وأنتم لديكم عمارات وفلل تسكنون فيها، وإخوتكم الزهارين ليس لديهم شقة يتملكونها، لم يقتنعوا وقالوا هذا حقنا من شرع الله، وأنا يا شيخ كلهم أولادي ولكن حال أولادي العتبان في غناء وخير، ولو لم أعلم ذلك لما أعطيت أولادي الزهارين، فأنا أريد الجواب هل علي إثم في ذلك؟ ولكن يشهد الله أني أخاف أولادي الزهارين أن يضيعوا بعد مماتي ولم أجد من يحن عليهم، فأنا أريد أن أبيع استراحتي وأعطيهم ... ألف المتبقية بالبنك لأؤمن لهم مستقبلهم، وأنا اعلم أن أولادي العتبان ليسوا في حاجة بل نحن في حاجة، إنهم يفزعون لي ولإخوتهم، ولكن حاججوني في أن أعطيهم مثل ما أعطيت أولادي الصغار الذين حالهم ميسور.
فما رأيك أريد الرشد والإنصاف ولا أريد أن يضيع أحد أبنائي، وفقك الله.
أعتذر عن الإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الوالد شرعا أن يعدل بين أبنائه في العطاء على الراجح من أقوال العلماء، وانظري بيان ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 6242.
والأم كالأب سواء في وجوب العدل بين الأبناء في العطاء، قال ابن قدامة: والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم، ولأنها أحد الوالدين، فمنعت التفضيل كالأب، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة، يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها، فثبت لها مثل حكمه في ذلك. اهـ.
فالأصل أنه يجب عليك العدل بين أبنائك جميعا في العطاء، وكون بعض الأبناء أقل حالا من الأبناء الآخرين لا يسوغ تفضيل الأقل حالا وتخصيصهم بالعطاء دون الآخرين ـ إلا أن يرضوا بذلك ـ، فالتفاوت بين الأبناء في الحالة المادية ليس مسوغا للتفضيل والتخصيص.
لكن إذا طرأت حاجة حقيقية لبعض الأبناء فقد رخص بعض العلماء في التخصيص والتفضيل حينئذ، ومنع منه آخرون، جاء في كشاف القناع: ولا فرق في امتناع التخصيص والتفضيل بين كون البعض ذا حاجة أو زمانة أو عمى أو عيال أو صلاح أو علم أو لا، ولا بين كون البعض الآخر فاسقا، أو مبتدعا، أو مبذرا أو لا وهو ظاهر كلام الأصحاب ونص عليه في رواية يوسف بن موسى في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار لا ينيل البار دون الآخر. (وقيل إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه) كصلاحه (أو منع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص) والتفضيل بالأولى (اختاره الموفق وغيره) استدلالا بتخصيص الصديق عائشة - رضي الله عنهما - وليس إلا لامتيازها بالفضل، ولنا عموم الأمر بالتسوية وفعل الصديق يحتمل أنه نحل معها غيرها، أو أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه المرض ونحوه. اهـ.
فالحاصل: أن عليك أن تتحري العدل بين أولادك جميعا، ولا تخصصي بعضهم بالعطاء لمجرد أنهم أقل حالا من إخوانهم، وما سبق منك من تخصيص بعضهم دون مسوغ: فعليك أن تسترديه منهم، أو تعطي البقية مثله ـ إلا أن يرضوا ويسامحوا ـ قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. اهـ.
والله أعلم.