السؤال
أولا: لدي سؤال في ذهني من فترة طويلة هو أن قراءة القرآن دون فهم جميع آياته هل يحسب لنا الأجر؟ أم نحن ممن قال عنهم الله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون).
فأنا الآن أعمل على ختم القرآن ولكن حالي كغيري من أناس لا أفهم معنى جميع الآيات من القرآن الكريم، فهل يجب علينا فهم جميع معاني السور التي نقرؤها؟
كما أنني كنت أقرأ أحد الكتب الإسلامية: أن أحدهم مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلاوة القرآن عبادة عظيمة الثواب؛ حيث يحصل القارئ على عشر حسنات مقابل حرف واحد من حروف الهجاء, كما قال صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف؛ ولكن ألف حرف, ولام حرف، وميم حرف. رواه الترمذي وغيره وصححه الشيخ الألباني.
ونرجو حصول الاجر لكل تال للقرآن سواء فهم معناه أم لا، فقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الحث على تلاوة القرآن الكريم كله، والنهي عن هجره، كقوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: وأمرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن {النمل:91-92}، وقوله تعالى: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة {العنكبوت:45}.
وأما آية البقرة فقد اختلف في تفسيرها هل يعني بالأماني الكذب أو التمني أو مجرد التلاوة دون فهم؛ كما قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: {ومنهم أميون} أي ومن أهل الكتاب، والأميون جمع أمي وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة، وهو ظاهر في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب} أي لا يدرون ما فيه، ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم: أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة؛ كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون}، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) الحديث، وقال تبارك وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} قال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه، وقوله تعالى: {إلا أماني} عن ابن عباس: {إلا أماني} يقول إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا، وقال مجاهد إلا كذبا، وعن مجاهد: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} قال: أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها، والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه، ومنه الخبر المروي عن عثمان رضي الله عنه (ما تغنيت ولا تمنيت) يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب، وقيل: المراد بقوله {إلا أماني} بالتشديد والتخفيف أيضا أي إلا تلاوة، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: {إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} الآية، وقال كعب بن مالك الشاعر: تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر {وإن هم إلا يظنون} يكذبون. اهـ
وعلى كل مسلم أن يحرص على تدبر وتفهم معاني القرآن وأن لا يقنع بمجرد التلاوة دون فهم، وأن يسأل عن معنى ما يشكل عليه، قال الشيخ ابن عثيمين: ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يعتنوا أولا بكتاب الله عز وجل بفهمه والعناية بتفسيره وتلقي ذلك من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، ومن الكتب كتب التفسير الموثوقة تفسير ابن كثير وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ وغيرهما من التفاسير التي يوثق بمؤلفيها في عقيدتهم وعلمهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ولأن ارتباط الإنسان بكلام الله عز وجل ارتباط بالله سبحانه وتعالى، فإن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، ولأن الإنسان إذا كان لا يفهم القرآن إلا قراءة فقط فهو أمي وإن كان يقرأ القرآن، قال الله تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أي إلا قراءة، فوصفهم بأنهم أميون؛ ولكن لا يعني ذلك أن ألا نهتم بقراءة القرآن لأن قراءة القرآن عبادة، وقارئ القرآن له في كل حرف عشر حسنات. اهـ
والله أعلم.