أحكام السب والضرب بين الأقارب وتبرؤهم من بعضهم

0 247

السؤال

حدثت مشكلة كبيرة بين عائلتي، وبين بعض أعمامي، وعماتي، وصلت إلى أنهم قاموا بسبنا، واجترأ أحدهم على الضرب، وقد أخطؤوا في حقنا
ثم قالوا لنا إنهم تبرأوا منا، ونحن قلنا كذلك.
فهل نعتبر آثمين على هذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإنه لا يأثم المظلوم إذا رد على من سبه، أو ظلمه. وإنما يأثم من بدأ بالسب، أو الضرب؛ لقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور. {الشورى:40-43}.

وقوله تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126}

لما في حديث مسلم: المستبان ما قالا، فعلى البادئ منهما، ما لم يعتد المظلوم. 
  قال الإمام النووي -رحمه الله-: يحرم سب المسلم من غير سبب شرعي يجوز ذلك، روينا في صحيحي البخاري، ومسلم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق. ورويناه في صحيح مسلم، وكتابي أبي داود، والترمذي، عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المستبان ما قالا، فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. انتهى.
 وقال النووي أيضا: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين، مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب، والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى:41}، وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون {الشورى:39}، ومع هذا فالصبر، والعفو أفضل. قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى:43}، وللحديث المذكور بعد هذا: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.

واعلم أن سباب المسلم بغير حق، حرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبا أو قذفا، أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم، يا أحمق، أو جافي أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى: على البادئ. أي عليه اللوم، والذم، لا الإثم. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فإن كان الشخصان قد اختصما، نظر أمرهما؛ فإن تبين ظلم أحدهما، كان المظلوم بالخيار بين الاستيفاء والعفو، والعفو أفضل. فإن كان ظلمه بضرب، أو لطم، فله أن يضربه، أو يلطمه كما فعل به، عند جماهير السلف، وكثير من الأئمة. وبذلك جاءت السنة.

وقد قيل: إنه يؤدب، ولا قصاص في ذلك. وإن كان قد سبه، فله أن يسبه مثل ما سبه، إذا لم يكن فيه عدوان على حق محض لله، أو على غير الظالم. فإذا لعنه، أو سماه باسم كلب ونحوه، فله أن يقول له مثل ذلك، فإذا لعن أباه، لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأنه لم يظلمه. وإن افترى عليه كذبا، لم يكن له أن يفتري عليه كذبا؛ لأن الكذب حرام لحق الله. كما قال كثير من العلماء في القصاص في البدن: أنه إذا جرحه، أو خنقه، أو ضربه ونحو ذلك، يفعل به كما فعل. فهذا أصح قولي العلماء، إلا أن يكون الفعل محرما لحق الله كفعل الفاحشة، أو تجريعه الخمر، فقد نهى عن مثل هذا أكثرهم، وإن كان بعضهم سوغه بنظير ذلك. انتهى.
ولو أن بعض الأقارب تبرأ من قريبه، فهو آثم إن سبب ذلك قطعا للرحم، أو نفيا للنسب؛ فقد جاء في الحديث الشريف: لا يدخل الجنة قاطع رحم. متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذلك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم {محمد:22}.

ووصيتنا المبادرة إلى أداء الحقوق، والسعي في الصلح والصلة، والحذر من القطيعة. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة