السؤال
أريد بإذن الله أسأله سبحانه أن أسخر ما بقي من حياتي في طلب العلم النافع والعمل به والدعوة إليه والصبر على ذلك، ولكن فتن الشبهات والشهوات حفظكم الله، أريد أن أصبح من أعلم أهل الأرض في الدين والطب، (أنا طالب في الصف الخامس بكلية الطب) مع العلم بأني أرى أني مقصر، ولي ذنوب كثيرة معظمها كان في عامي الأخير، وأحيانا يغلبني بعضها وأعود وأتوب، أريد أن تدلوني كيف أنظم وقتي بحيث أؤدي واجباتي، وأعطى كل ذي حق حقه، أسألكم أن تدلوني على من أقتدي بهم وأتبعهم، والكتب التي يجب أن أطالعها، وأن تجيبوا على أسئلتي أو تدلوني على من يجيبني باستمرار وبسرعة أكبر؛ لأنكم ـ صدقوني ـ أحيانا إن تأخرتم علي في الإجابة يدخلني الشيطان في شبهات كثيرة، وأن تدعوا لي بأن يمن علي بصحبة تعينني، فمعظم ذنوبي كانت بسبب الصحبة، وأريدكم أن تدعوا لي الله بأن يبلغني ما أطلبه برحمته وفضله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يعينك ويرزقك الاستقامة والصحبة الصالحة، وقد أحسنت في الاهتمام بهذين العلمين فهما علم الأديان والأبدان كما قال الإمام الشافعي.
وأما عن تنظيم الوقت فننصحك بالنوم المبكر من أول الليل، واحرص على الاستيقاظ وقت السحر، واستعن بالله في ذلك الوقت المبارك، واشتغل بما تيسر من قيام الليل ومن التعلم، وصل الفجر في الجماعة، ثم واصل التعلم في ذلك الوقت المبارك، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فقال: اللهم بارك لامتي في بكورها. رواه مسلم.
واذا حان وقت الدراسة في الجامعة، فاحرص على الحضور، وأعط من وقتك في المساء ما تيسر للمراجعة والمذاكرة.
وأما عن الاقتداء فاحرص على التعرف على ما ثبت عن الأنبياء والصحابة والسلف الأول المزكى فاقتد بهم عملا بقول الله تعالى في الأنبياء: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين {الأنعام:90}، وقال سبحانه وتعالى في الصحابة: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {التوبة:100}.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. حسنه الألباني.
وقال شيخ الاسلام في الفتاوى: ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف: أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها: القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة: من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة... كما قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد: أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم... وما أحسن ما قال الشافعي ـ رحمه الله ـ في رسالته: هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا. اهـ.
وننصحك أن تلزم أهل العلم في بلدك المعنيين بنشر السنة وتعليمها، وأن تحرص على الاستفادة منهم وحضور مجالسهم وأن تكثر من مطالعة كتب الرقائق والسير، وتعيش مع نصوص الوحيين وحياة السلف الصالح.
واحرص على الاستغناء عن الجلساء بمطالعة هذه الكتب فقد قال أبو الفرج بن أبي المعافي في كتابه " الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي":
وذكر عن عبد الله بن المبارك أنه سئل: أما تستوحش من مقامك منفردا بهيت؟ فقال: كيف يستوحش من يجالس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وقد كان بعض من كان له في الدنيا صيت ومكانة، عاتبني على ملازمتي المنزل، وإغبابي زيارته، وإقلالي ما عودته من الإلمام به وغشيان حضرته، وقال لي: أما تستوحش الوحدة ونحو هذا من المقالة، فقلت له: أنا في منزلي إذا خلوت من جليس يقصد مجالستي، ويؤثر مساجلتي، في أحسن أنس وأجمله، وأعلاه وأنبله، لأنني أنظر في آثار الملائكة والأنبياء، والأئمة والعلماء، وخواص الأعلام الحكماء، وإلى غيرهم من الخلفاء والوزراء، والملوك والعظماء، والفلاسفة والأدباء، والكتاب والبلغاء، والرجاز والشعراء، وكأنني مجالس لهم، ومستأنس بهم، وغير ناء عن محاضرتهم لوقوفي على أنبائهم، ونظري فيما انتهى إلي من حكمهم وآرائهم. اهـ
والله أعلم.