السؤال
عندي أربع وقائع حصلت بيني وبين زوجتي، أرجو منكم إفتائي فيها:
- في الأولي حدثت مشادة بيني وبينها في الهاتف وهي مسافرة بعيدة عني، وقلت لها: "علي الطلاق إن لم أتصل بأبيك وأحكي له ما حصل بيننا". وفعلا اتصلت ووجدت أباها في مناسبة ما، ولم أحدثه في الأمر.
- والثانية في منزلنا، وكان معي ضيوف في صالة الرجال، والباب مغلق، وكانت تريد طلبا مني، فطرقت الباب، فقلت لها: "لا تطرقي الباب". علما بأن الموضوع لا يستحق، فقلت لها: "إن طرقتي الباب مرة ثانية فأنت طالق". ولم تفعل. ولكن سؤالي: هل بعد ذلك لو طرقت الباب في أي يوم آخر ستكون طالقا؟ علما أن نيتي تحديدا كانت في وقتها.
- والثالثة أيضا حصل شجار واستفزتني بأنها ستترك البيت وتأخذ الأولاد، فغضبت قبل أن تكمل كلامها، وقلت لها: "أنت طالق طالق طالق" وكانت نيتي التأكيد، وليس التكرار، نظرا لاستفزازها لي.
- والرابعة عندي في المكتب، أنا أتعامل مع أنظمه وبرامج، فبحكم الخبرة تقابلني أشياء أعرفها سلفا قبل إتمام القراءة للملف، ومرة من المرات فتحت ملفا وقبل أن أتمه قلت بعفوية: "علي الطلاق -وقصدت اليمين حينها- هذا سيكون كذا". وعند ما أكملت قراءته وجدت شيئا آخر. فما رأيكم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود التنبيه -أولا- إلى أنه لا ينبغي للزوج التسرع إلى التلفظ بالطلاق، أو تعليقه كلما حدثت مشكلة أو خلاف بينه وبين زوجته؛ لما يؤدي إليه من الوقوع في الحرج، كما أن الحلف بالطلاق من أيمان الفساق، والإكثار منه داخل في عموم الاستهزاء بأحكام الله تعالى، وهذا من الخطورة بمكان؛ فينبغي الحذر منه، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 125516.
وأما بخصوص السؤال: فههنا أربع حالات سنبين -إن شاء الله- حكم كل منها على حدة، فنقول:
1- في الحالة الأولى: ذكرت أنك علقت الطلاق على الاتصال بأبي زوجتك وإخباره بما حصل بينك وبين زوجتك غير أنك لم تتمكن من الحديث معه لكونه مشغولا، ولم تخبره بما كنت تريد إخباره به، وبالتالي؛ فإن كنت قصدت الاتصال به وإخباره في وقت معين, وفات دون أن يحصل ما أردت فقد حصل ما علقت عليه الطلاق، وجمهور الفقهاء على أنه إذا حصل المحلوف عليه في الحلف بالطلاق، وقع الطلاق قصد الزوج إيقاعه أو لم يقصده، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم يقصد الزوج الطلاق لزمته كفارة يمين، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 11592.
وإن لم تكن حددت وقتا معينا -كما هو ظاهر كلامك- فلا يقع الطلاق إلا في آخر زمن الإمكان، وهذا لا يظهر إلا بالموت (أي: موت الزوج أو والد الزوجة)؛ لأن موت أي منهما يتعذر معه البر بهذه اليمين فيحصل الحنث، وعلى هذا لو اتصلت به وحدثته الآن بما حصل لم يقع الطلاق؛ جاء في المغني: فعلى هذا؛ إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق. ولم ينو وقتا، ولم يطلقها، كان ذلك على التراخي، ولم يحنث بتأخيره؛ لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه، فلم يفت الوقت، فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ؛ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بعد موت أحدهما. اهـ.
2- وفي الحالة الثانية: قلت لزوجتك: "إن طرقت الباب مرة ثانية فأنت طالق". وأنت تقصد في ذلك الوقت، وهنا لا يلزمك شيء إذا طرقت زوجتك الباب في غير الوقت الذي قصدت؛ لأن مبني اليمين على نية الحالف؛ قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف, فإذا نوى بيمينه ما يحتمله, انصرفت يمينه إليه, سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ, أو مخالفا له. اهـ.
3- وفي الحالة الثالثة: قلت لزوجتك: "أنت طالق طالق طالق". وكانت نيتك التأكيد، وهنا تقع طلقة واحدة؛ قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق. وقال: أردت التوكيد. قبل منه ... اهـ.
4- وأما في الحالة الرابعة: فذكرت أنك فتحت ملفا وقبل أن تتم فتحه قلت بعفوية: "علي الطلاق -وقصدت اليمين- أنه كذا" ثم تبين أنه خلاف ما حلفت عليه. وفي حكم هذه المسألة خلاف فصلناه في الفتوى رقم: 55043، والذي رجحناه فيها هو عدم الحنث.
والخلاصة: أنه بالنظر لما سبق بيانه، وبناء على القول المفتى به عندنا في المسائل السابقة؛ فإن الطلاق قد وقع منك في الحالة الثالثة، ولم يقع في الحالة الثانية والرابعة، وأما الحالة الأولى ففيها التفصيل المتقدم.
فإن لم تكن قد طلقت زوجتك طلاقا آخر لم تذكره هنا فلك مراجعتها -إن لم تكن خرجت من العدة- دون الحاجة لعقد جديد، وراجع الفتوى رقم: 165675 حول ما تحصل به الرجعة.
والله أعلم.