السؤال
في البداية: أنا طالبة امتن الله علي بدراسة الشريعة، وتخصصت بها، وأحبها كثيرا، تجاوزت المستوى الأول بامتياز، لكن المستوى الثاني بدأت المواد تكثر، وأصبح الأمر صعبا لوجود بعض الصعوبات، فمنها: أني لم أكن أراجع أبدا في المنزل، وكنت أذهب للحلقة عصرا، وأعود منهكة.
ومنها: أن بعض الأستاذات تقرأ فقط، رغم صعوبة المادة، وبكميات كبيرة جدا في نفس المحاضرة.
أصبحت محبطة إلى حد كبير، وبكيت وتألمت لعدم ضبطي للعلم وعدم فهمي، وشكوت ذلك كثيرا، ورؤية الكتب والمذكرات في مكتبتي تجعلني أشعر برغبة عميقة بالبكاء؛ ذلك لأني حين أفتحها لا أفهم شيئا، وأنا التي تخصصت فيه لأكون فقيهة أنفع نفسي والأمة الإسلامية.
المشكلة أن المواد كثيرة جدا، تخطيت المستوى الثاني، ونجحت ولله الحمد، لكن قرأت كلاما للشنقيطي علق فيه على طلبة العلم الذين يحضرون الدروس ويأخذونها بكميات كبيرة ولا يكادون يضبطون شيئا منها! أنا منهم فعلا، نسيت كل العلم، لم أضبط شيئا، فعلمت بحجم المسؤولية التي ألقيت على كاهلي، سيسألني الله عن علم أضعته وما انتفعت به ولا بلغته، فقررت أن أبدأ من جديد، لكن ما الذي علي إصلاحه؟! سأبدأ مستوى جديدا، وعزمت فيه على الاستذكار والضبط، ولكن ماذا عن العلم الكثير جدا الذي فات؟! وكيف يجدر بي إصلاح ما أفسدته؟ وما هي الطريقة الصحيحة لضبط العلم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك حرصك على العلم والتعلم، وحزنك على ما ضيعت من ذلك، ونسأل الله تعالى أن يجعلك من أهل العلم العاملين بما علموا.
وما أشرت إليه من كثرة من المواد وتنوعها والكمية الكبيرة التي تعطى للطالب منها؛ يعد من أهم الأسباب التي تشتت ذهنه، ولا تعينه على ضبط وحفظ ما أخذ من العلم، وقد روي عن بعض السلف قوله: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، إنما يؤتى العلم على مر الأيام والليالي. لذا ينبغي أن تتداركي هذه النقطة فيما يستقبل، وأن تركزي على ضبط وحفظ ما تأخذين قبل أن تتجاوزي إلى غيره، مع التدرج في المتون بدءا بالأقصر، ثم المتوسط، فالطويل، وقد وضعنا في الفتوى رقم: 301906 منهجا للتدرج في طلب العلم، فنوصيك بمراجعتها لعلها تفيدك في هذا الأمر، كما نوصيك بعدم الاعتماد على نفسك فقط؛ إذ لا بد من شيخ (رجل أو امرأة) تأخذين على يديه العلم، ويعينك في فهم عويصات المسائل، ويرشدك إلى ما يناسب مستواك من متون.
أما عن ما درست في السابق: فإن كنت نسيته بالكلية أو نسيت معظمه فنرى أن تأخذيه من جديد كأنك لم تدرسيه أصلا، وإن كنت نسيت بعضه فقط فيمكن أن تتجاوزيه إلى غيره مع محاولة استرجاع ما نسيت منه بالمطالعة والتكرار، ونوصيك بتقوى الله سبحانه، والبعد عن المعاصي؛ فإنها سبب في نسيان المرء ما تعلم وعدم ضبطه له، وقد كان الشافعي -رحمه الله- آية في سرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، ثم أحس ذات يوم أنه لم يعد في الحفظ كما كان، فاشتكى إلى أستاذه وكيع بن الجراح -رحمه الله- سوء الحفظ فقال له: استعن على الحفظ بترك المعاصي؛ فنظم هذه الأبيات الرائعة والتي تفيض بالفقه والحكمة:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي.
وأخبرني بأن العلم نــــــــــور ونور الله لا يهدى لعاصي.
ثم ننبهك على أن هناك ضوابط شرعية ينبغي الالتزام بها في حال تلقت المرأة تعليمها من الرجال أو في الأماكن المختلطة، وقد سبق بيانها في الفتويين رقم: 54191 ، 5310 .
والله أعلم.