السؤال
نقلتم في الفتوى رقم: 106080 العبارة التالية: "ومحل ذلك أي ما تقدم من تكبير الانتقال والتسميع وكذا التحميد لمأموم بين ابتداء انتقال وانتهائه" فبالنسبة للمأموم محل التحميد له عند الحنابلة من بداية الانتقال إلى نهايته، فهل بذلك يكون له نفس حكم التسميع وتكبيرات الانتقال بحيث لو قام بإكماله بعد الانتقال والاعتدال يمكن أن لا يجزئه عند بعض الحنابلة؟ وهل المجزئ في التحميد هو "ربنا ولك الحمد" فقط بلا خلاف؟
أرجو سرد أي خلاف -إن وجد- وآراء العلماء بأدلتها -ما أمكن-، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلماء مختلفون فيما إذا كان يشرع للمأموم قول "سمع الله لمن حمده" أو يكتفي بقول "ربنا ولك الحمد"، والمفتى به عندنا هو قول الجمهور خلافا للشافعية، وهو أن المأموم يكتفي بالتحميد، وحيث قلنا لا يشرع له التسميع، وإنما المشروع له التحميد فقط، فهذا التحميد سنة عند الجمهور؛ فلو تركه أصلا أو أتى به في غير محله فصلاته صحيحة، وقد ترك السنة، وأما عند الحنابلة: فقول "ربنا ولك الحمد" واجب، وهو في حق المأموم في أثناء رفعه؛ قال في الإنصاف: محل قول "ربنا ولك الحمد" في حق الإمام والمنفرد: بعد القيام من الركوع؛ لأنهما في حال قيامهما يقولان: "سمع الله لمن حمده"، ومحله في حق المأموم: حال رفعه ... انتهى.
ثم محل هذا الذكر في أثناء الرفع، فإن أخل بذلك فأتى به بعد تمام الرفع -مثلا- فشأنه في ذلك شأن التكبير للانتقال، فتبطل الصلاة على المذهب بذلك؛ لأنه لم يأت بالواجب في محله فلا يعتد به، وعندهم وجه بالعفو عن هذا لمشقة الاحتراز، قواه في الإنصاف.
قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: قوله: قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده. قائلا حال من فاعل يرفع إذن؛ فيكون القول في حال الرفع، ويكون هذا الذكر سمع الله لمن حمده من أذكار الرفع، فلا يقال قبل الرفع، ولا يؤخر لما بعده، ويقال في هذا ما قيل في التكبير للركوع، فمن العلماء من قال: يجب أن يكون قوله: سمع الله لمن حمده ما بين النهوض إلى الاعتدال، فإن قاله قبل أن ينهض، أو أخر بعضه، أو كله حتى اعتدل فلا عبرة به. لكن؛ سبق لنا أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا ينبغي إلحاق الحرج بالناس في هذا الأمر. انتهى.
وأما صيغ التحميد المجزئ فهي أربعة؛ قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: هذه الصيغة لها أربع صفات:
الصفة الأولى: ربنا ولك الحمد.
الصفة الثانية: ربنا لك الحمد.
الصفة الثالثة: اللهم ربنا لك الحمد.
الصفة الرابعة: اللهم ربنا ولك الحمد.
وكل واحدة من هذه الصفات مجزئة، ولكن الأفضل أن يقول هذا أحيانا، وهذا أحيانا، على القاعدة التي قررناها فيما سبق، من أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل فيها فعلها على هذه الوجوه. وذكرنا أن في ذلك ثلاث فوائد، وهي:
1- المحافظة على السنة.
2- اتباع السنة.
3- حضور القلب؛ لأن الإنسان إذا صار مستمرا على صيغة واحدة؛ صار كالآلة يقولها وهو لا يشعر، فإذا كان يغير، يقول هذا أحيانا، وهذا أحيانا؛ صار ذلك أدعى لحضور قلبه. انتهى.
والأولى: أن يزيد على هذا القدر الواجب مما وردت به السنة؛ كقول: "ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد"، أو نحو ذلك، وهذا في حق الإمام والمنفرد. وأما المأموم: فاختلف هل يزيد على هذا القول أو لا؟ والذي رجحه العلامة ابن عثيمين أنه كالإمام والمنفرد فله أن يزيد على هذا القدر؛ قال -رحمه الله-: قوله: ومأموم في رفعه، أي: أن المأموم يقول في حال الرفع: ربنا ولك الحمد. أما الإمام والمنفرد فيقول في رفعه: سمع الله لمن حمده. قوله: فقط بمعنى: فحسب، يعني: لا يزيد على ذلك، فيقتصر على ذلك ويقف ساكتا، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد. ولكن عند التأمل نجد أن هذا القول ضعيف، وأن الحديث لا يدل عليه، وأن المأموم ينبغي أن يقول كما يقول الإمام والمنفرد، يعني: يقول بعد رفعه: ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد فجعل قول المأموم: ربنا ولك الحمد معادلا لقول الإمام: سمع الله لمن حمده، والإمام يقول: سمع الله لمن حمده في حال الرفع، فيكون المأموم في حال الرفع يقول: ربنا ولك الحمد. أما بعد القيام فيقول: ملء السماوات ... إلخ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي. وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة. انتهى.
والله أعلم.