السؤال
لقد قمت بالأخذ من مال أبي، على فترات طويلة في حياتي؛ لكي أقوم بصرفه في شراء بعض الأشياء كاللباس، والطعام؛ وذلك لأن المصروف الذي يعطيني إياه لا يكفي، وكنت أخجل من طلب المزيد منه. وعندما أطلب من أمي المزيد، ترفض هذا الشيء، مع أننا ولله الحمد مقتدرون ماديا، وقرأت أحاديث أن هذا من السرقة، وأن الدعاء يرد، ولا تقبل التوبة حتى يرد المال لأصحابه، لكني طالبة أدرس، ولا يمكنني أن أرد المال لأبي في هذه الفترة، ولا أستطيع مصارحته بهذا الأمر لكي يسامحني في هذا الوقت، والله يشهد أني قد نويت ألا أكرر هذا الأمر، وأني لم أكن أعلم، وأنا الآن خائفة من الله، ولا أستطيع حتى دعاءه؛ لأني أعلم أنه لن ينظر إلي، ولن يقبل دعائي.
أرجوكم إفادتي؛ لأني نادمة، ولا أستطيع فعل شيء لنفسي.
وهل يجوز أن أعتبر أن هذا المال دين، وأسدده لأبي عند قدرتي على الكسب؟ وهل الله سوف يقبل دعائي في هذه الحالة؟
أرجو الإفادة.
وهل الله سوف يعاقبني مع توبتي؟
وأطلب منكم الدعوة لي عن ظهر الغيب، بأن يرزقني الله الزوج الصالح.
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للبنت أن تأخذ من مال أبيها إلا بإذنه، فإن فعلت، فإن ذلك من السرقة، إلا إذا كان الأب لا يعطيها النفقة الواجبة عليه، مع قدرته على ذلك، فلها حينئذ أن تأخذ من مال أبيها ما يكفيها بالمعروف، ودليل ذلك حديث هند بنت عتبة عندما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي، إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف. متفق عليه.
وانظري الفتوى رقم: 179233
وعليه؛ فإن كنت أخذت من مال أبيك شيئا زائدا عن النفقة الواجبة لك بالمعروف، فتلزمك التوبة إلى الله منه، مع التحلل من أبيك، بطلب السماح منه، أو رد ما أخذت إليه.
وإذا لم يسامحك أبوك بحقه، فإنه يظل دينا عليك حتى تؤديه له، فمتى ما قدرت على ذلك فافعلي.
ولا شك أن التوبة من السرقة، لا بد فيها من رد الحقوق لأصحابها، إلا أن هذا لا يعني أن العاجز عن الأداء ليس له توبة، بل يتوب الله عليه -إن تاب توبة صادقة- ويبقى المال الذي أخذ في حكم الدين في ذمته، حتى يؤديه، أو يستحل صاحبه، وإن مات ولم يستطع الأداء ولا التحلل عجزا عن ذلك، فإن الله يتوب عليه، ويرضي صاحب الحق بما شاء.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الأصل في حقوق العباد فيما بينهم أنها مبنية على المشاحة، فلا تسقط بمجرد التوبة منها فقط، وإنما بردها إلى أصحابها، أو استحلالهم منها، وإذا تاب العبد لله سبحانه توبة نصوحا من حقوق المخلوقين، وعجز عن إيصالها إليهم؛ لفقره، أو جهله بهم، فإن الله سبحانه يتوب عليه، ويرضيهم عنه يوم القيامة بما يشاء سبحانه، ومتى استطاع في الدنيا إيصالها إليهم، أو استحلالهم منها، وجب عليه ذلك، ولا تتم توبته إلا بما ذكر؛ لقول الله عز وجل: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} وقوله عز وجل: {فاتقوا الله ما استطعتم}. اهـ.
ويعلم من هذا أن العجز عن الأداء، لا يؤثر في دعائك، وصالح أعمالك إن شاء الله، ولكن عليك المبادرة إليه عند القدرة.
وانظري الفتويين: 114435، 107733
وأما قولك: "وهل الله سوف يعاقبني مع توبتي" فجوابه أن التوبة إذا قبلت، استلزم ذلك عدم العقاب.
والله أعلم.