السؤال
أنا كلما فاقني أحد أقراني بعلامة في أحد الامتحانات أو النتائج، أصبت بحزن شديد، فلا أحب الخير إلا لنفسي، وأحب أن يكون حال أصدقائي أسوأ، وهذا التصرف منذ صغري موجود، ولا أستطيع التخلص منه للأسف. فما علاجي -جزاكم الله خيرا-؟
أنا كلما فاقني أحد أقراني بعلامة في أحد الامتحانات أو النتائج، أصبت بحزن شديد، فلا أحب الخير إلا لنفسي، وأحب أن يكون حال أصدقائي أسوأ، وهذا التصرف منذ صغري موجود، ولا أستطيع التخلص منه للأسف. فما علاجي -جزاكم الله خيرا-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكونك تبذل وسعك لتحصيل التفوق في دراستك وغيرها أمر حسن مطلوب، فإن الله تعالى يحب معالي الأمور، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لكن عليك إذا بذلت وسعك، واستفرغت جهدك في المذاكرة، ثم تفوق عليك أحد أقرانك؛ ألا تأسى ولا تحزن، بل عليك أن تعلم أن هذا هو قضاء الله تعالى، فترضى بما قسمه الله لك، ولا تتطلع إلى ما زوي عنك. واعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وأن فيما قضاه الله الحكمة والمصلحة، وإذا وقع الأمر على هذا النحو بأن تفوق عليك بعض أقرانك دون تقصير منك في المذاكرة والتحصيل، فلا تتمن ما فضله الله به عليك، ولا تحسده على ما آتاه الله من فضله، ولا تتسخط قدر الله تعالى.
ومما يعينك على هذا: أن تعلم عاقبة الحسد المذمومة، وأن الحاسد إنما يضر نفسه قبل أن يضر المحسود، وأن الحسد من صفات شرار الخلق؛ كاليهود -لعنهم الله- الذين ذمهم الله بقوله: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد{النساء:54}. فنزه نفسك عن أن تكون بهذه المنزلة الردية.
ومما يعينك على هذا أيضا: أن تستحضر حكمة الله تعالى، وأنه يعطي كل إنسان ما يستحقه، ويلبسه الثوب اللائق به، وأنه سبحانه لا يظلم الناس شيئا.
ومما يعينك على هذا أيضا: أن تستحضر أن التنافس الحقيقي إنما يكون في أمور الآخرة لنيل مرضات الله تعالى وتحصيل الزلفى لديه، وأن الدنيا إن لم تكن معينة على أمر الآخرة فهي مذمومة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التنافس في الدنيا لما يفضي إليه من الشحناء والبغضاء، وقد يكون ما زوى الله عنك من الدنيا خيرا لك، فإن قضاءه للمؤمن كله خير، فاجعل همتك وقصدك الأكمل في التنافس في طاعة الله تعالى والتقرب إليه؛ مصداق قوله سبحانه: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون {المطففين:26}. فإذا استحضرت حقارة الدنيا وضآلتها وهوانها على الله لم تحسد أحدا على ما أوتي منها، فإنها كلها من أولها إلى آخرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة.
ومما يعينك على هذا أيضا: أن تستحضر أن إيمانك لا يكمل حتى تحب لإخوانك ما تحب لنفسك من الخير، فإذا وطنت نفسك على هذا واجتهدت في استحضار تلك المعاني والتحقق بها هان عليك هذا الأمر، ولم تجد ما تستشعره من الحزن.
والحاصل: أن الذي ينبغي لك هو أن تبذل وسعك في دراستك وغيرها، ثم ترضى بما يقسمه الله لك، ولا تحسد أحدا تفوق عليك أو نال نصيبا من الدنيا أكثر من نصيبك، ولبيان بعض طرق علاج الحسد انظر الفتوى رقم: 171321، والفتوى رقم: 118700.
والله أعلم.