السؤال
ذكر القحطاني في نونيته أن الأرض مسطحة وليست كروية.
وأن الرعد هو صوت مالك خازن النار والبرق هو شرر خارج منها.
وأن السحاب لا يحمل المطر بل إن المطر ينزل من السماء إلى السحاب ثم إلى الأرض.
أين وردت هذه العلومات فيما صح؟
ذكر القحطاني في نونيته أن الأرض مسطحة وليست كروية.
وأن الرعد هو صوت مالك خازن النار والبرق هو شرر خارج منها.
وأن السحاب لا يحمل المطر بل إن المطر ينزل من السماء إلى السحاب ثم إلى الأرض.
أين وردت هذه العلومات فيما صح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال القحطاني في نونيته:
والغيث أبخرة تصاعد كلما دامت بهطل الوابل الهتان
والرعد عند الفيلسوف بزعمه صوت اصطكاك السحب في الأعنان
والبرق عندهم شواظ خارج بين السحاب يضيء في الأحيان
كذب أرسطاليسهم في قوله هذا وأسرف أيما هذيان
الغيث يفرغ في السحاب من السما ويكيله ميكال بالميزان
لا قطرة إلا وينزل نحوها ملك إلى الآكام والفيضان
والرعد صيحة مالك وهو اسمه يزجي السحاب كسائق الأظعان
والبرق شوظ النار يزجرها به زجر الحداة العيس بالقضبان
أفكان يعلم ذا أرسطاليسهم تدبير ما انفردت به الجهتان
إلى أن قال:
الأرض عند كليهما كروية وهما بهذا القول مقترنان
والأرض عند أولي النهى لسطيحة بدليل صدق واضح القرآن
فهذا نص النونية في موضوع السؤال. وأما قول السائل: (أين وردت هذه المعلومات فيما صح؟) فإن كان يريد به معرفة مستند القحطاني في ما ذهب إليه، فهو فهمه لبعض آيات القرآن، وبعض نصوص السنة، وبعض الآثار عن الصحابة والتابعين، وتجد ذلك مجموعا في كتاب (المطر والرعد والبرق) لابن أبي الدنيا، وكتاب (العظمة) لأبي الشيخ، وكتاب (الهيئة السنية في الهيئة السنية) للسيوطي.
وما يتعلق بنفي كروية الأرض، قد سبق لنا بيان خطئه في فهمه، وإثبات كرويتها، وذلك في الفتوى رقم: 131655، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 298033.
وأما ما يتعلق بالسحاب والمطر والرعد والبرق، فالكلام فيه تفصيل وبحث طويل، وخلاصته أن ما ثبت من نصوص الوحي المعصوم لا يتعارض مع الواقع، ولا مع ما صح من حقائق العلم والتجربة، وثبوت الأسباب الغيبية بالنسبة لنا كفعل الملائكة، لا يتعارض مع ما جعله الله تعالى في الكون من أسباب مادية لبعض الظواهر الكونية، وكلاهما بتدبير الله تعالى وقضائه وقدره، قال الألوسي في (روح المعاني): التجربة دالة على أن للتضرع والدعاء في انعقاد السحاب ونزول الغيث أثرا عظيما، وهو يأبى أن يكون ذلك للطبيعة والخاصية، فليس كل ذلك إلا بإحداث محدث حكيم قادر يخلق ما يشاء كيف يشاء، وقال بعض المحققين: لا يبعد أن يكون في تكون ما ذكر أسباب عادية كما في الكثير من أفعاله تعالى، وذلك لا ينافي نسبته إلى المحدث الحكيم القادر جل شأنه، ومن أنصف لم يسعه إنكار الأسباب بالكلية فإن بعضها كالمعلوم بالضرورة، وبهذا أنا أقول. اهـ.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن المطر والرعد والزلازل، على قول أهل الشرع وعلى قول الفلاسفة ؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، أما المطر: فإن الله يخلقه في السماء من السحاب، ومن السحاب ينزل، كما قال تعالى: {أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} وقال تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} وقال تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} أي من خلال السحاب، وقوله في غير موضع {من السماء}: أي من العلو والسماء اسم جنس للعالي... والمادة التي يخلق منها المطر هي الهواء الذي في الجو تارة، وبالبخار المتصاعد من الأرض تارة، وهذا ما ذكره علماء المسلمين، والفلاسفة يوافقون عليه، وأما "الرعد والبرق" ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره {أنه سئل عن الرعد قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله}، وفي مكارم الأخلاق للخرائطي: عن علي أنه سئل عن الرعد فقال: "ملك" وسئل عن البرق فقال: "مخاريق بأيدي الملائكة - وفي رواية عنه - مخاريق من حديد بيده". وروي في ذلك آثار كذلك، وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول: إنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا، وكذلك الراعد يسمى رعدا، كما يسمى العادل عدلا، والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب، وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر. فالرعد إذا صوت يزجر السحاب، وكذلك البرق قد قيل: لمعان الماء أو لمعان النار، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر، والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي. اهـ.
وحديث الترمذي الذي ذكره شيخ الإسلام رواه بأطول من هذا وقال: حديث حسن غريب. اهـ.
وصححه أحمد شاكر والألباني. وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق مسند أحمد: حسن دون قصة الرعد، تفرد بها بكير بن شهاب وهو لم يرو عنه سوى اثنين، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الذهبي في الميزان: عراقي صدوق، وقد توبع على حديثه هذا سوى قصة الرعد فهي منكرة. اهـ.
وذكر صاحب تفسير المنار آثارا مختلفة لتفسير الرعد وردها وقال: لو صح في حديث مرفوع بسماع صحيح لا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات لما وقع فيه مثل هذا الخلاف، ولأمكن حمله على أن المراد به والإشارة إلى أن هذه المظاهر الكونية تقع بفعل ملك موكل بالسحاب، ولكن لا حاجة إلى ذلك مع عدم صحة شيء في المسألة. اهـ.
وقال أبو بكر الأنباري في (الزاهر في معاني كلمات الناس): قال اللغويون: الرعد: صوت السحاب، والبرق: ضوء ونور يكونان مع السحاب، وربما كانا أمارة للمطر... وقال ابن عباس: "الرعد" اسم ملك، واحتج بعض أهل اللغة لأن الرعد صوت السحاب، بقول الله عز ذكره: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} قال: فذكره الملائكة بعد الرعد يدل على أن الرعد ليس بملك، والذين قالوا: الرعد ملك، يحتجون بأن الله عز وجل ذكر الملائكة بعد الرعد، وهو من الملائكة، كما يذكر الجنس بعد النوع، والكثير بعد القليل. قال الله تبارك وتعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} فذكر القرآن بعد السبع، وموضع السبع من القرآن كموضع الرعد من الملائكة، وأصحاب الحديث، وكبراء أهل العلم من الصحابة والتابعين، يقولون: الرعد ملك، أو صوت ملك. اهـ.
ثم أسند بعض الآثار في ذلك عن السلف كابن عباس ومجاهد وعكرمة وشهر بن حوشب، ثم أسند شاهدا لقول اللغويين في تفسير الرعد بصوت السحاب، وهو حديث: "إن الله عز وجل ينشئ السحاب، فينطق أحسن المنطق، ويضحك أحسن الضحك" وقال: فذكر أن منطقه الرعد، وضحكه البرق. اهـ.
وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح. اهـ. وصحح الألباني إسناده. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه الغفاري، وجهالته لا تضر... وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" من طريق سليمان بن داود الهاشمي، قال: سألنا إبراهيم بن سعد عن هذا، فقال: "النطق: الرعد، والضحك: البرق"... قال الرامهرمزي: "هذا من أحسن التشبيه وألطفه، لأنه جعل صوت الرعد منطقا للسحاب، وتلألؤ البرق بمنزلة الضحك لها". وذهب الطحاوي في "شرح المشكل" إلى أن نطق السحاب هطوله، وضحكه إخراجه الجنان والمراعي، ونقل هذا المعنى عن الفراء. اهـ.
وراجع ما سبق لنا بيانه في أسباب تكون المطر والرعد والبرق، في الفتويين التالية أرقامهما: 24129، 51894، ولمزيد الفائدة يمكن الرجوع لكتاب الألوسي: (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة بالبرهان).
والله أعلم.