السؤال
لماذا لا يوجد حديث صريح بأن الصلاة الإبراهيمية تقال في التشهد اﻷخير؟ ولماذا اختلف حكم قولها في التشهد الأخير بين الحنفية والشافعية؟ وهل يدل ذلك على عدم صحتها في اﻷصل، وأنها مما أضافه الشافعي للصلاة انتصارا لقرشيته؟.
لماذا لا يوجد حديث صريح بأن الصلاة الإبراهيمية تقال في التشهد اﻷخير؟ ولماذا اختلف حكم قولها في التشهد الأخير بين الحنفية والشافعية؟ وهل يدل ذلك على عدم صحتها في اﻷصل، وأنها مما أضافه الشافعي للصلاة انتصارا لقرشيته؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الدخول في الجواب ننبه إلى أن التساؤلات والإشكالات التي وضعت والمقدمات التي أتيت بها لا تصلح دليلا لإثبات أو نقاش حكم فقهي، وبيان ذلك أن:
1ـ قولك: لماذا لا يوجد حديث صريح بأن الصلاة الإبراهيمية تقال في التشهد اﻷخير ـ يوحي بأنك تظن أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل صريح لا يتطرق إليه الاحتمال، وهذا قول غير مستقيم، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 6906
وانظر أيضا الفتوى رقم: 299776.
وعليه، فإن المقدمة التي بدأت بها فاسدة، وذلك يقتضي أن نتيجتها فاسدة أيضا.
2ـ قولك: ولماذا اختلف حكم قولها في التشهد الأخير بين الحنفية والشافعية؟ وهل يدل ذلك على عدم صحتها في الأصل؟ وهذا يعد تساؤلا في غاية الغرابة، فليس هذا الحكم هو الحكم الوحيد الذي اختلف فيه الشافعية والحنفية، كما أن مجرد اختلافهم لا يقتضي بشكل تلقائي ودون الرجوع إلى الأدلة والترجيح أن قول هؤلاء أو أولئك هو الصحيح، إذا تبين لك هذا، فاعلم أن العلماء مختلفون في حكم الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير، فبعضهم قال بوجوبها وبعضهم قال بسنيتها، كما سبق في الفتوى رقم: 131815.
وبالتالي، فليس الإمام الشافعي هو وحده من قال بوجوبها، بل قال بذلك أيضا الكثير من أهل العلم كالحنابلة وابن العربي من المالكية، حيث يقول في أحكام القرآن: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في العمر مرة بلا خلاف، فأما في الصلاة: فقال محمد بن المواز والشافعي: إنها فرض، فمن تركها بطلت صلاته، وقال سائر العلماء: هي سنة في الصلاة، والصحيح ما قاله محمد بن المواز، للحديث الصحيح: إن الله أمرنا أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فعلم الصلاة ووقتها، فتعينا كيفية ووقتا، وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف. اهـ.
وقد سبق إلى هذا القول طائفة من السلف منهم عبد الله بن مسعود وأبو مسعود البدري ـ رضي الله عنهما ـ وكذلك الشعبي وإسحاق بن راهويه ومقاتل بن حيان وغيرهم من التابعين الأجلاء ـ رحمهم الله ـ ذكر ذلك وبينه ابن القيم في كتابه القيم: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام ـ فلا معنى ـ إذن ـ لاتهام الشافعي بأنه قال بهذا القول انتصارا لقرشيته! وقد استدل القائلون بالوجوب بما في صحيح البخاري عن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك، فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
فقالوا بأن قوله صلى الله عليه وسلم: قولوا ـ أمر، والأمر للوجوب، جاء في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: واختلفوا في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب الشافعي وأحمد وغيرهما إلى وجوبها في التشهد الأخير، لقوله صلى الله عليه وسلم: قولوا اللهم صل على محمد ـ لأن الأمر هنا للوجوب، قال ابن عبد البر: قال الشافعي: إذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير أعاد الصلاة ـ وإنما خص الوجوب بالصلاة، لما في حديث أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ أنهم قالوا: يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد ـ أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والحاكم. اهـ.
ومما تقدم يعلم أن الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ ليس وحده من قال بوجوب الصلاة الإبراهيمية وأنه لم يقل بذلك انتصارا لقرشيته، بل استند إلى دليل شرعي رآه كافيا للقول بالوجوب، وإن كان مخالفوه ناقشوا دليله ولم يسلموه له، وهذا مبحث آخر..
ثم إننا ننبه السائل إلى ضرورة احترام العلماء وتوقيرهم، وأن الطعن فيهم واتهامهم جزافا مزلة خطيرة العاقبة، فعليه أن يحذر من ذلك كل الحذر، وليعلم أن ما تفوه به هنا في حق هذا الإمام العظيم يعد اتهاما خطيرا ما كان له أن يقدم عليه، وهو اتهام باطل بكل تأكيد، وليس له أي مستند، كما تبين، فليتجنب ذلك مستقبلا، وليكن ديدنه إنصاف المخالف والتماس العذر له، كما كان سلفنا الصالح حتى قال قائلهم: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
والله أعلم.