السؤال
هل تجوز مصاحبة أو مجالسة المخنثين أو اللوطيين أو أمثالهم من غير المسلمين؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تجوز صحبة غير المسلمين، لقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {المائدة:51}.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون {آل عمران: 118}.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء ـ يعني: أصدقاء ومقربين ـ يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم. انتهى.
ولأنهم قد يؤثرون على من صاحبهم، فالصاحب ساحب، ومن جالس جانس -كما قيل- فالمنحرفون المتبعون لشهواتهم وأهوائهم دائما وأبدا يريدون من الناس أن ينحرفوا إلى مستنقع الرذيلة كما انحرفوا، قال الله سبحانه: ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما {النساء:27}.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة: أن تميلوا ـ يعني: عن الحق إلى الباطل. انتهى.
وجاء في تفسير الألوسي عند هذه الآية: وعن مجاهد: أن تزنوا كما يزنون. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وحسنه الألباني.
قال ابن علان في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: فيه نهي عن موالاة الكفار ومودتهم ومصاحبتهم. انتهى.
وقال المباركفوري: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة الكفار والمنافقين، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين. انتهى.
وقال الخطابي: وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، لأن المطاعم توقع الألف والمودة في القلوب، يقول: لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع، ولا تتخذه جليسا تطاعمه وتنادمه.
وجاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: وكامل الإيمان أولى، لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا. انتهى.
وأما عن مجالستهم: فتحرم حال فعلهم المنكر، إلا لمن قدر على النهي والترهيب من المعصية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة. رواه البخاري ومسلم.
جاء في فتح الباري: وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما. انتهى.
قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ـ فدل هذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إنكم إذا مثلهم ـ فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب ـ أي : عاقبه ـ وقرأ هذه الآية: إنكم إذا مثلهم ـ أي إن الرضا بالمعصية معصية. انتهى.
وأما مجالستهم في غير حال المعصية من غير مودة لهم: فالأصل أنها مباحة.
والله أعلم.