السؤال
أنا سورية مقيمة في أمريكا منذ 7 أعوام، يتيمة الأبوين، ومطلقة حديثا، ولدي فتاتان صغيرتان, وطليقي في حالة صحية غير مستقرة، وهو غير ملتزم بالدين، وأنا -والحمد الله- محجبة، وأحاول الالتزام، لكن المجتمع الأمريكي الآن بعد أحداث باريس في حالة هستيرية ضد المسلمين، ويوميا تقع أكثر من حالة اعتداء بالضرب، أو الشتم، أو الأذية ما استطاعوا ضدنا.
ومشكلتي أن طليقي صرح لي مؤخرا أنه لم يعد قادرا على دفع إيجار المنزل الذي أقيم فيه مع صغاري بسبب ضائقة مالية، وسوء صحته، وأنا ليس لي معيل غير الله، وحاولت البحث عن عمل منذ ثلاثة أشهر ولم أوفق، وخاصة الآن مع ازدياد العنصرية، والكره للمسلمين والمسلمات، وتضاءلت فرصي في إيجاد عمل.
أحمد الله أنه لم يقدم على أذيتي أحد بسبب الحجاب، إلا أنني أتلقى بعض نظرات الحقد، وسوء المعاملة أحيانا من المحلات التجارية، ولكني الآن في مأزق، ولا أعرف كيف أعيل نفسي وبناتي، وأخاف أن أصبح من دون مأوى، ولدي مصروفات مدرستهم الإسلامية، فلا أجرؤ على إدخالهم مدارس الغرب لما فيها من انحراف، لكني حاليا على حافة الانهيار، وقد نال مني الاكتئاب، والخوف من الغد، فلا معيل لي، ولا سند في بلد غريب، ولا عمل أضمن منه ستري وستر صغاري، ووالدهم لا يهتم, فخياري أن أغادر هذه البلدة إلى بلد إسلامي في أقرب فرصة -إن شاء الله- لأحفظ سلامتي، وسلامة بناتي، وسلامة ديننا، لكني بحاجة لإيجاد عمل لأسد مصاريفي الحالية، وتجميع مبلغ السفر، وهذا يبدو مستحيلا؛ فأنا محجبة في بلد يكره الحجاب، ولا أملك أي شهادة جامعية، ولم أحصل على الجنسية بعد, وأكره ذلك، ولكن أشعر أن خياري الوحيد أن أخلع الحجاب مؤقتا لأحصل على أي عمل يحفظ علي مسكني، وقسط المدرسة الإسلامية لأطفالي، فلا أضطر أن أنقلهم لمدارس غير المسلمين إلى أن ييسر لي ربي الخروج من هذا البلد، فهل يغفر لي إن فعلت؟ ففي الآية التي ذكرت الحجاب في القرآن أنه فرض على نساء المسلمين حتى لا تتم أذيتهن، فإن حدثت هذه الأذية، والضرر بسببه، فهل يجوز خلعه للضرورة خوفا على سلامتنا؟
وأنا -إن شاء الله- أنوي ارتداء القبعة ما استطعت مع ستر الرقبة، أما للعمل فأنوي ارتداء الشعر المستعار، فلا أكشف شعري، مع الحفاظ على الحشمة، فهل علي إثم إن فعلت؟ وهل يغفر لي ربي؟ فوالله ما هو إلا للضرورة، وربي أعلم بها، ولدفع ضرر أراه وشيك الحصول.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، وييسر أمرك، إنه سبحانه قريب مجيب.
فنوصيك بكثرة دعائه، والتضرع إليه، وصدق الالتجاء، وإظهار الافتقار له، فمن توكل عليه كفاه، ومن أوى إليه آواه، وهو مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر، قال سبحانه: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون {النمل:62}، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 119608؛ ففيها بيان آداب الدعاء وشروطه، والتي كلما توفرت في الدعاء كان أرجى للإجابة، وأدعى للقبول، هذا أولا.
ثانيا: ننصحك بمراجعة إخوانك في المراكز والمنظمات الإسلامية، فربما أعانوك، وسعوا في حل مشكلتك، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة إلى بلد مسلم تأمنين فيه على نفسك وبناتك، وتتمكنين فيه من الالتزام بدينك، وعبادة ربك من غير حرج، وراجعي في حكم الهجرة من بلاد الكفر الفتوى رقم: 12829.
ثالثا: نفقة بناتك واجبة على أبيهم بالمعروف حسب قدرته، قال تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا {الطلاق:7}، وانظري الفتوى رقم: 193707.
فإن أعسر بنفقتهم، وكنت في حاجة للعمل للإنفاق على نفسك، وعلى بناتك، فاجتهدي في البحث عن عمل تحصلين منه على مال من غير التفريط في شيء من دينك، ولعلك تجدين، فهنالك مجالات للعمل أحيانا من البيت عن طريق الإنترنت، ونحو ذلك، فاستعيني ببعض أخواتك المسلمات الثقات، وقد وعد الله المتقين بتيسير أمورهم، وتفريج كروبهم، قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا {الطلاق2-3}.
والحجاب فريضة يجب الالتزام به، ولا يجوز خلعه، لا من أجل العمل، أو غيره، وراجعي الفتوى رقم: 63625.
فإن ضاق بك الحال، واضطررت إلى العمل، وأجبرت على خلع الحجاب، فليكن الترخص في ذلك بقدر الضرورة، فلا تكشفي من جسدك إلا ما تقتضيه الضرورة، وراجعي الفتوى رقم: 107350.
وبخصوص الأذية التي قد تجدينها، فليس كل أذى يترخص به في نزع الحجاب، فمن الأذى ما يمكن احتماله، فعليك أن تصبري ابتغاء مرضاة الله، فإن التهاون في مثل هذه الفرائض الشرعية لأي مضايقات لا يجوز، فاتقي الله، واصبري، وهنالك من القوانين ما يمكن أن تحمي المرأة نفسها بسببها، كقوانين تجريم العنصرية، ونحوها.
ولو فرضنا أن الأمر قد يصل إلى أذى لا يحتمل؛ فيلزمك حينئذ لزوم البيت، ولا يجوز الخروج إلا لما لا بد لك منه، ونرجو مطالعة الفتوى رقم: 11071، والفتوى رقم: 63999.
ومن وصل به الحال إلى هذه الدرجة من التضييق في الدين، والتعرض لأسباب الفتنة؛ وجبت عليه الهجرة إلى بلد مسلم، كما أسلفنا القول في ذلك.
والله أعلم.