السؤال
أنا مسلم من ألمانيا، لدي سؤالان لو سمحتم.
السؤال الأول: إذا كان هناك شخص كافر وهب لإحدى قريباته المسلمات نقودا. وبعد مدة، تبين أن الواهب كان مريضا حين وهب قريبته النقود، لكن قريبته لم تعلم بهذا المرض (تصلب شرياني) وقد يكون الواهب نفسه لم يعلم بهذا المرض حين وهب النقود. وقال الطبيب حين اشتد المرض: إن هذا المرض، هو المرض الذي سيموت هذا المريض بسببه.
فما حكم الهبة في هذه الحالة؟
السؤال الثاني: إذا أعطى هذا المريض نفس القريبة نقودا كهبة لأخت القريبة، وقال لها: اعط أختك هذا المبلغ بعد فترة؛ لأنها لا تتصرف في النقود بشكل جيد. وكان كل ذلك أيضا في الفترة التي كان فيها المرض موجودا، دون أن تعلم بذلك القريبة، وأيضا أختها لم تعلم بالمرض، وقد يكون الواهب نفسه لم يعلم في ذلك الحين بهذا المرض الذي قال عنه الطبيب لاحقا إنه المرض الذي سيموت هذا المريض بسببه. ثم أعطت القريبة أختها النقود حين اشتد مرض الواهب، وظهر، وعلمت به القريبة والأخت، وعلم به المريض أيضا.
فهل يجب على الأخت رد النقود بمعنى أنها لا تملك المبلغ بحق؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما جواب سؤالك الأول، حول الهبة بعد ما تبين كون صاحبها كان مريضا: فهو أنه إن كان المرض لم يظهر إلا بعد مضي الهبة، وقبضها؛ فهي هبة صحيحة، ماضية، ولا عبرة بظهور المرض بعدها؛ لانتفاء التهمة التي هي علة منع مضي الهبة حال ظهور المرض.
جاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع: هذا الإنسان المتصرف، يتصرف وهو يشعر بأنه حي لا ميت، أو قريب من الموت، ....الأصل في علة منع الإقرار للوارث في مرض الموت المخوف، التهمة، والتهمة هنا مفقودة. انتهى بتصرف يسير.
وفي تبيين الحقائق عن الأتقاني: التهمة أمر باطن، فيدار الحكم على السبب الظاهر الداعي إليها. انتهى.
والسبب الظاهر لم يوجد هنا؛ لعدم معرفة الواهب به، وإن كان موجودا حينها. وعليه، فالتهمة هنا منتفية؛ لخفاء المرض، وعدم تبينه، والأصل صحة التصرف.
جاء في موسوعة القواعد الفقهية: من تصرف تصرفا ما، ووجد احتمال قوي أنه إنما قصد من وراء تصرفه هذا تحايلا على الشرع، أو إضرارا بمن تعلق به تصرفه، فإنه يحكم بفساد هذا الفعل، ويرد على الفاعل فعله، ولا يعتبر تصرفه صحيحا. لكن بشرط أن يكون احتمال التهمة قويا، مبنيا على دليل، لا مجرد احتمال موهوم. اهـ.
وأما بخصوص السؤال الثاني حول الهبة التي لم تعط للموهوب له، إلا بعد ظهور المرض: فإنها تعتبر في حكم الوصية، وتنفذ في ثلث التركة إذا كانت تساويه، أو أقل منه.
قال ابن قدامة في المغني: التبرعات المنجزة، كالعتق، والمحاباة، والهبة المقبوضة، والصدقة، والوقف، والإبراء من الدين، والعفو عن الجناية الموجبة للمال، إذا كانت في الصحة، فهي من رأس المال. لا نعلم في هذا خلافا. وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت، فهي من ثلث المال، في قول جمهور العلماء. انتهى.
ولا يؤثر في ذلك كون الواهب كافرا؛ لأن وصية الكافر للمسلم صحيحة، نافذة، إذا احتملها الثلث. ولو زادت عن ثلث التركة، فالزائد إن أمضاه الورثة مضى، وإلا فلا يمضي ما زاد عن الثلث كالمسلم.
قال المرداوي في الإنصاف: وكذا تصح وصية الكافر مطلقا. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ولو أوصى -أي الكافر- لوارثه، أو لأجنبي بأكثر من ثلثه، وقف على إجازة الورثة كالمسلم سواء. انتهى.
والله أعلم.